أرشيف التصنيف: لاعنف

عن التسامح والعولمة وأشياء أخرى… – ديمتري أڤييرينوس

عن التسامح والعولمة وأشياء أخرى…*

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

إلى روح الحاج حسين مدخنة

 

كثيرًا ما يجري الحديث في هذه الآونة عن مفاهيم من نحو “التسامح”، “التعايش”، “التجاور السلمي”، إلخ، وكأن احترام التعددية وقبول الآخر المختلف صارا من تقاليدنا الثقافية الراسخة حتى بتنا نحيا جنَّة التفاهم في العالم العربي وعلى الكرة الأرضية بأسرها!

ينطوي الاستعمال الدارج لكلمة “تسامُح”، في الخطاب الثقافي بعامة والديني بخاصة، على رياء مبطَّن. فكأن الأطراف المعنيَّة بهذا الخطاب لا ينفك بعضها “يخطئ” في حقِّ بعضها الآخر، فلا يلبث هذا البعض، على مضض شديد، أن “يسامحه” على خطئه، وكأن شيئًا لم يكن! لكن من الواضح للغاية أن منطق المراءاة هذا غير سليم، ولا يمكن له أن يظل ساري المفعول على المدى الطويل.

Continue reading

موقف ألبير كامو من اللاعنف – جان-ماري مولر

نظرة كامو الملتبسة إلى اللاعنف

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

تَرِدُ فكرةُ اللاعنف مرارًا في تأمُّلات ألبير كامو في القتل. ومن اللافت للنظر أن خصومه كثيرًا ما أخذوا عليه هروبَه إلى مثالية اللاعنف، في حين أنه لم يدَّعِه قط. ففي سنة 1961، جاءت المقدمة التي عَقَدَها جان-پول سارتر على كتاب فرانتز فانون معذَّبو الأرض[1] دفاعًا عن عنف الشعوب المستعمَرة، وفيها قَصَدَ عبر تهكُّمه اللاذع أن يصارح “اللاعنفيين” برأيه فيهم: “ما أشد سذاجة اللاعنفيين: لا ضحايا ولا جلادون! لنكن جِدِّيين!” التلميح إلى كامو واضح، والإشارة إلى نصِّه الذي بعنوان لا ضحايا ولا جلادون تدلُّ دلالةً واضحةً أنه المقصود قبل غيره.

Continue reading

كانط: فيلسوف كرامة الإنسانية – جان-ماري مولر

عمانوئيل كانط
فيلسوف كرامة الإنسانية

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

في التوطئة التي عقدها عمانوئيل كانط على كتابه عقيدة الحق طرح الفيلسوف “مسألة معرفة إنْ كان من الممكن فعلاً وجودُ أكثر من فلسفة“. لا مناص، أولاً، من ملاحظة أنه قد وُجِدَتْ طُرُقٌ عديدةٌ للتفلسف، وأن هذه الطرق متنوعة وغالبًا متناقضة، وأنه كان لا بدَّ للأمر من أن يكون كذلك لأن كلَّ واحدة من هذه الطرق “ذات جدارة”. لكنه يؤكد أنه لمَّا كان لا يمكن أن يوجد “إلا عقل إنساني واحد فقط فليس من الممكن لفلسفات عديدة أن توجد”[1]. ذلك أن من قبيل التناقض بالفعل القبولَ بإمكان وجود فلسفتين صحيحتين تتناولان الموضوعات نفسها.

Continue reading

رسالة إلى گاندهي – ليڤ تولستوي

رسالة تولستوي الأخيرة إلى گاندهي[1]

ليڤ تولستوي (1828-1910)

 

كوتشيتي، 7 أيلول 1910

تلقَّيتُ نُسَخَ مجلتكم الرأي الهندي، فسُررتُ بالغ السرور بقراءة كلِّ ما يمتُّ فيها بصِلةٍ إلى اللاَّمقاومة[2]، وأودُّ أن أشاطرك الخواطر التي ألهمتْني إيَّاها هذه القراءة.

Continue reading

اللاعنف: أربع نعم – وليد صليبي

اللاعنف: أربعُ نَعَم*

وليد صليبي

وليد صلَيْبي**

 

الوجه الآخر للحق ليس الباطل، بل العنف.
إريك ڤايل، منطق الفلسفة

فيما قد يُستعمَلُ كلٌّ من اللاعنف والعنف في مواجهة طغيان
الآخرين، وحده اللاعنف يستطيع مواجهة طغيان الذات.
وليد صليبي

 

اللاعنف لاءان: لا لعنف الذات، ولا لعنف الآخرين.

الـ”لا” الأولى – لا لعنف الذات – قد تبدو طوباوية إذا ما نظرنا إليها وكأنها تسعى في لَجْم عنفٍ مفترَض مغروس في صُلْب الطبيعة البشرية – عنفٍ حتميٍّ بالتالي؛ ومن هذا المنظار بعينه، تبدو هذه الـ”لا” مناقضةً لطبيعة الإنسان. لكن الأمر غير ذلك قطعًا: فهي “لا” واقعية، بل متجانسة حتى مع ما يُسمَّى “الغرائز”، وفقًا لما توصَّل إليه عدد كبير من كبار المحلِّلين النفسيين وعلماء سلوك الحيوان وعلماء التطور وعلماء الوراثة وعلماء الأعصاب إلخ.

Continue reading

الدعوة إلى اللاعنف للقاهرين أم للمقهورين؟ – جان-ماري مولر

هل يُدعى القاهرون بالأَوْلى إلى اللاعنف أم المقهورون؟

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

ثمة سؤال يتكرَّر طرحُه من حين لآخر، فيما يشبه الاستفزاز: “لماذا يُنصَح باللاعنف دومًا للمقهورين؟ ألا يجب، بالأَوْلى، أن يُدعى إليه القاهرون؟” بدايةً، هل من اللائق “النصح باللاعنف” للمقهورين؟ يجدر بالمرء، أولاً، ألا يقف على منبر الواعظ لأن الذي يحصي ضربات العصي ليس كمن يتلقَّاها. ومن بعدُ، هل من اللائق “دعوة القاهرين إلى اللاعنف”؟ وهل من الممكن أصلاً، في الواقع، تخيُّل قاهر لاعنفي؟ قطعًا، لو اتفق للقاهرين أن يهتدوا إلى اللاعنف لانعدم القهر إلى الأبد. لكن فرضية كهذه عبارة عن مثالية محضة ولا تصلح للإحاطة بالواقع في شيء.

Continue reading

الانتقام ليس من حقوق الإنسان! – جان-ماري مولر

الانتقام ليس حقًّا من حقوق الإنسان!

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

لن أعرِّف بالانتقام بوصفه إرادتي الحصولَ من المسيء إليَّ على تعويض عن الإساءة التي كبَّدني إياها، بل بوصفه رغبتي في تكبيده إساءةً بغرض أن أؤلمه وحسب [= نقمة]**. فأنا، حين أنتقم، ما من نية عندي سوى أن أردَّ rétorquer الإساءةَ التي تكبَّدتُها على صاحبها. الانتقام، إذن، محض ردِّ الفَعْلَة بفَعْلَة من جنسها ré-torsion. لكن الانتقام لا يعوِّض عن شيء أبدًا؛ إذ هو لا ينتوي التعويض، بل التقويض. ومنه فإن الانتقام ليس فعل دفاع شرعي عن النفس. فما يميِّزه هو أنني، حين أمارسه، لا يبدي عدوي أي خطورة فعلية عليَّ ولا يمارس ضدي أي تهديد مباشر؛ إنه حينذاك لا يعود يجابهني. لذا فإن الانتقام يحصل دومًا من الخلف – عن جبن. ومنه لا يجوز للانتقام أن يستفيد من تأييد العدالة: فهو لا يريد أن يردَّ لي حقوقي، ولا يقدر على ذلك أصلاً، بل يبتغي فقط إيلام مَن آلمني. لذا فإن عنف الانتقام ليس حقًّا أبدًا؛ إذ ليس ثمة أي “حق” في الانتقام. إنه دومًا غير مبرَّر، دومًا جائر، دومًا جريمة ضد الإنسانية. وبما أن الانتقام وليد الحقد والضغينة والصدود والكراهية فهو ليس نبيلاً أبدًا، بل خسيس دومًا.

Continue reading