أرشيف التصنيف: ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات: 1 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الأول

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: ليتني أجد نفسي، فجأةً، في عالم مختلف كليًّا، عالي الفطنة، مفعم بالسعادة، ذي حسٍّ عظيم بالمحبة. أودُّ أن أكون على الضفة الأخرى من النهر، لا أن أضطر إلى قطع المسافة مصارعًا، سائلًا الخبراء أن يدلوني على الطريق. لقد جُبْتُ العديد من أصقاع العالم المختلفة، ونظرتُ إلى مساعي الإنسان في مختلف مجالات الحياة. ما من شيء جذبني إلا الدين. وإني لَفاعلٌ أيَّ شيء للوصول إلى الشاطئ الآخر، للدخول إلى بُعدٍ جديدٍ ورؤيةِ كلِّ شيء كما لو للمرة الأولى بعينين صافيتين. أشعر شعورًا قويًّا جدًّا بأنَّه لا بدَّ من وجود اختراق مفاجئ لكلِّ بهرجة الحياة هذه – لا بدَّ من وجوده!

Continue reading

ثمانية حوارات: 2 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الثاني

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: عند الناس المتديِّنين المزعومين جميعًا شيءٌ يشتركون فيه، وأرى هذا الشيء نفسه عند أكثر الناس القادمين للاستماع إليك. إنَّهم جميعًا يفتشون عن شيء ما يسمونه بأسماء متنوعة: نيرڤانا، التحرُّر، الاستنارة، تحقيق الذات، الأبدية، أو الله. هدفهم معيَّن سلفًا، يضعونه نُصْبَ أعينهم في تعاليم مختلفة، ولكلٍّ من هذه التعاليم، من هذه المذاهب، عدَّته من الكتب الشريفة، طُرُقه، معلِّموه، أخلاقياته، فلسفته، وعوده ووعيده – صراط مستقيم ضيق يستبعد باقي العالم ويَعِدُ عند آخِره بفردوس ما أو بسواه. أكثر هؤلاء الطالبين يتنقَّلون من طريقة لأخرى، مبدِّلين آخِر تعليم بالتعليم الذي تخلوا عنه مؤخرًا؛ يتنقَّلون من عربدة عاطفية إلى أخرى، غير متبصِّرين بأنَّ السيرورة نفسها جارية في هذا السعي كلِّه. بعضهم يبقى ضمن طريقة واحدة مع جماعة بعينها ويرفض التزحزح؛ وبعضهم الآخر يحسب في آخر المطاف أنَّه حقَّق ما كان يريد تحقيقه، ثم يصرف أيامه في غبطة منقطعة ما، مستدرجًا بدوره مجموعة مريدين يشرعون في الدورة برمَّتها من جديد. وفي هذا كلِّه، نجد الجشع القهري لبلوغ تحقيق ما، وغالبًا، خيبة الإخفاق وإحباطه المريرين. هذا كلُّه يبدو لي غير صحي للغاية. يضحِّي هؤلاء الناس بفعل الحياة العادي في سبيل هدف متخيَّل ما، وثمة شعور كريه للغاية ينبعث من هذا النوع من الأوساط: تعصُّب، هستيريا، عنف، غباء. ويندهش المرء حين يجد بينهم بعض الكتَّاب الجيدين الذين يبدون فيما عدا ذلك سليمي العقل نسبيًّا. هذا كلُّه يسمى دينًا؛ والأمر كلُّه يفوح منه النتن حتى السماء العليا! هذا هو بخور التقوى؛ وقد رصدتُه في كلِّ مكان. هذا البحث عن الاستنارة يسبِّب خرابًا هائلًا، والناس يضحَّى بهم في أعقابه. والآن أودُّ أن أسألك: هل يوجد في الواقع شيء ما كالاستنارة، وإنْ كان يوجد، فما هو؟

Continue reading

ثمانية حوارات: 3 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الثالث

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: أرى أهمية إنهاء الخوف والأسى والغضب وكدح الإنسان كلِّه. أرى أنَّ على المرء أن يحرص على وضع أُسُس السلوك الصالح، الذي يُدعى عمومًا بالبِر، وعلى أنْ لا توجد في ذلك كراهية ولا حسد ولا شيء من التوحُّش الذي يعيش فيه الإنسان. أرى كذلك أنَّه لا بدَّ من الحرية، لا بمعنى التحرُّر من شيء بعينه، بل الحرية في ذاتها، وأنَّ المرء يجب ألا يبقى دومًا حبيس متطلَّباته ورغباته. أرى هذا كلَّه رؤيةً واضحةً جدًّا وأحاول – وإنْ كنتَ ربما لا تحبذ كلمة “محاولة” – أن أعيش على هديٍ من هذا الفهم. توغلت في ذاتي إلى حدٍّ ما. لم يعد يقيِّدني أيُّ شيء من أشياء هذه الدنيا، ولا أيُّ دين من الأديان. وأودُّ الآن أن أسأل: إذا سلَّمنا جدلًا بأنَّ المرء حر، ليس خارجيًّا وحسب بل داخليًّا، من بؤس الحياة كلِّه وبلبلتها، ماذا يوجد هناك فيما وراء الجدار؟ حين أقول “الجدار” أعني الخوفَ والأسى وضغطَ الفكر الدائمَ. ماذا يوجد هناك مما يمكن رؤيته حين يكون الذهن هادئًا، وليس ملتزمًا أيَّ نشاط بعينه؟

Continue reading

ثمانية حوارات: 4 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الرابع

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: عندي عادة واحدة مستحكمة… عندي عادات أخرى، لكنَّها ذات أهمية أقل. مازلت أكافح هذه العادة حصرًا منذ أبعد ما تطاله ذاكرتي. أغلب الظن أنها تشكَّلت في طفولتي المبكرة، ويبدو أنَّه لا أحد اهتمَّ اهتمامًا كافيًا لتصحيحها آنذاك؛ وبالتدريج، مع تقدُّمي في العمر، صارت متجذِّرة أكثر فأكثر عمقًا. وهي لا تختفي أحيانًا إلا لتعاود الظهور من جديد. ويبدو أني غير قادر على التخلُّص منها. أودُّ أن أسود عليها تمامًا؛ فقد صار التغلُّب عليها هوسًا عندي. فماذا ينبغي لي أن أفعل؟

Continue reading

ثمانية حوارات: 5 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الخامس

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: أجدني أتعلَّق بالناس تعلُّقًا مرعبًا وأتَّكل عليهم. وهذا التعلُّق يتطور في علاقاتي إلى نوع من التطلُّب الاستئثاري يولِّد شعورًا بالسيطرة. وإذ أراني متَّكلًا، مدرِكًا لمشقَّة ذلك وللألم الناجم عنه، أحاول أن أكون غير متعلِّق. عندئذٍ أشعر بالوحشة شعورًا رهيبًا، وفي عجزي عن مواجهة الوحشة، أتهرَّب منها عن طريق الشراب وبطُرُق أخرى. ومع ذلك لا أريد لعلاقاتي أن تكون مجرَّد علاقات سطحية عابرة.

Continue reading

ثمانية حوارات: 6 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار السادس

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: جئتك لأتبيَّن لماذا يوجد انقسام، فَصْل، بين الذات وبين كلِّ شيء آخر، وحتى بين زوجة المرء وأولاده وبينه. حيثما يذهب المرء يجد هذا الفصل، ليس في ذاته وحسب، بل وفي كلِّ واحدٍ آخر. يسهب الناس الكلام على الوحدة والإخاء، لكني أتساءل إنْ كان من الممكن أصلًا التحرُّر حقًّا من هذا الانقسام، من هذا الفصل الموجع. بوُسعي، عقليًّا، أن أدَّعي بأنَّه لا يوجد فصل حقيقي؛ أستطيع أن أعلِّل لنفسي أسباب هذه الانقسامات، – ليس بين الإنسان والإنسان وحسب، بل وبين النظريات ومذاهب اللاهوت والحكومات أيضًا، – لكني أعرف فعليًّا، في نفسي، أنَّه يوجد هذا الانقسام الذي لا يُحَلُّ، هذه الهوَّة الواسعة التي تفصلني عن الآخر. أشعر دومًا بأني واقف على هذه الضفة وبأنَّ الآخرين جميعًا واقفون على الضفة الأخرى، وهناك هذه المياه العميقة الفاصلة بيننا. وتلك هي مشكلتي: لماذا توجد فجوة الفصل هذه؟

Continue reading

ثمانية حوارات: 7 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار السابع

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: أنا في نزاع حول أمور كثيرة جدًّا، لا على صعيد الخارج وحسب، بل وعلى صعيد الداخل أيضًا. بوُسعي نوعًا ما أن أتعامل مع النزاعات الخارجية، لكني أريد أن أعرف كيف أقدر أن أنهي النزاع، تلك المعركة المتواصلة في نفسي معظم الوقت. أريد أن أنتهي منه. أريد، بطريقة أو بأخرى، أن أتحرَّر من هذا العراك كلِّه. فماذا ينبغي لي أن أفعل؟ يبدو لي أحيانًا أنَّ النزاع أمر محتوم: أراه في الصراع على البقاء، حيث الكبير يقتات بالصغير، والعقل الكبير يسيطر على العقول الأصغر، والمعتقدات يقهر بعضها بعضًا ويحلُّ محلَّه، والأمم يحكم بعضها بعضًا، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. أرى هذا وأتقبَّله، لكنَّه بطريقة ما لا يبدو لي صوابًا؛ لا يبدو أنَّه يتصف بأيِّ خاصية مَحبَّة، وأشعر أني إذا أمكنني أن أنهي هذا العراك في نفسي فقد يتمخض هذا الإنهاء عن المحبة. لكني في ريبة شديدة، في لبس شديد من الأمر كلِّه. جميع المعلِّمين العظام قالوا بأنَّ على المرء أن يجاهد، بأنَّ الطريق إلى إيجاد الحق، أو الله، يمرُّ عبر الانضباط والسيطرة والتضحية. وهذه المعركة، بشكل أو بآخر، يُضفى عليها التقديس. وها أنت ذا تقول بأنَّ النزاع هو جذر الفوضى بعينه. فكيف لي أن أعرف ما هي حقيقة النزاع؟

Continue reading