أرشيف التصنيف: ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات: 8 من 8 – ج. كريشنامورتي

ثمانية حوارات*
الحوار الثامن

ج ك، ثمانية حوارات

سائل: لقد غادرتُ العالم – عالم احتراف الكتابة الذي يخصُّني – لأني أردتُ أن أحيا حياةً روحية. هجرتُ جميع شهواتي ومطامحي إلى الشهرة، مع أني كنت أملك الموهبة الضرورية، وجئتك آمِلًا أن أجد الأسمى وأحقِّقه. لقد مكثتُ تحت شجرة البَنْيان [تين البنگال] العظيمة هذه طوال خمس سنوات حتى الآن، وأجدني فجأةً بليدًا، مستنزَفًا، مستوحِشًا في الداخل، ونوعًا ما بائسًا. أستيقظ في الصباح لأجد أني لم أحقق شيئًا البتة، لأجد أني كنت، ربما، في حالٍ أفضل منِّي الآن قبل حوالى سنتين، يوم كان عندي بعدُ شيءٌ من الحَمِيَّة الدينية القوية. والآن لم يبقَ عندي من الحَمِيَّة شيء، وإذ ضحَّيتُ بأمور الدنيا لأجد الله، أجدُني عديم كليهما. أشعر كأني برتقالة معتصَرة. فما هو المُلام – التعاليم، أنت، بيئتك؟ – أم تراني عديم القدرة على هذا الأمر، تراني لم أجد الشرخ في الجدار الذي سوف يكشف عن السماء؟ أم أنَّ الأمر ببساطة هو أنَّ هذا المسعى كلَّه، من أوَّله إلى آخره، محض سراب، وأنَّه كان من الخير لي لو أني لم أفكر في الدين قط، بل تمسَّكت بالملموس، بالإنجازات اليومية لحياتي السابقة؟ أين الخطأ، وماذا يتعيَّن عليَّ أن أفعل الآن؟ هل أتخلَّى عن الأمر كلِّه؟ وإذا فعلت فمن أجل ماذا؟

Continue reading

المفكر هو الفكرة – ج. كريشنامورتي

المفكِّر هو الفكرة
من يوميات كريشنامورتي*

ج. كريشنامورتي

 

6 نيسان 1975

إنها ليست زرقة المتوسط الخارقة تلك؛ فللهادي زرقةٌ أثيريةٌ، خصوصًا حين يهبُّ نسيمٌ لطيفٌ من الغرب وأنت تقود شمالاً على طول الطريق الساحلي. ما أحنَّه، ما أبهره، ما أصفاه، وما أبهجه! وبين الحين والحين، ترى حيتانًا تنفث وهي في طريقها إلى الشمال، وقلما تحظى برؤية رؤوسها الضخمة وهي تلقي بنفسها خارج الماء. كان هناك سرب كامل منها ينفث؛ لا بدَّ أنها حيوانات قوية للغاية. ذاك اليوم، كان البحر أشبه بالبحيرة، ساكنًا وهادئًا هدوءًا تامًّا، من دون موجة واحدة؛ لم تكن هناك تلك الزرقة الصافية المتراقصة. كان البحر غافيًا وأنت تشاهده، ذاهلاً عن نفسك. كان البيت [حيث يقيم في ماليبو] يطلُّ على البحر. إنه بيت جميل، ذو حديقة هادئة ومرجة خضراء وأزهار؛ بيت واسع، تضيئه شمس كاليفورنيا. والأرانب كانت تحبُّه أيضًا، ومن عادتها أن تأتي في الصباح الباكر وفي وقت متأخر من المساء، فتلتهم أزهار البنفسج والقطيفة المزروعة حديثًا والنباتات المزهرة الصغيرة. ما كنت لتستطيع أن تبقيها خارجًا، على الرغم من وجود شبكة أسلاك تطوِّق الحديقة، كما أن قتلها جريمة. لكن قطة وبومة صومعة أحلَّتا النظامَ في الحديقة؛ راحت القطة السوداء تجول في الحديقة، بينما جثمت البومة طوال النهار بين أوراق الكينا الكثيفة. كان بوسعك أن تراها، لا تحرِّك ساكنًا، مغمضةً عينيها المدوَّرتين الكبيرتين. اختفت الأرانب وازدهرت الحديقة، والهادي الأزرق يجري بلا جهد.

Continue reading

وعيك هو وعي البشرية – ج. كريشنامورتي

وعيك هو وعي البشريَّة*

كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا في عيد ميلاده الخامس والثمانين

ج. كريشنامورتي

 

الأزمة ليست اقتصادية – الحرب، القنبلة، رجال السياسة، العلماء –، الأزمة فينا، الأزمة في وعينا. فإلى أن نفهم فهمًا عميقًا جدًّا طبيعة ذاك الوعي، فنشكِّك ونغوص عميقًا فيه ونكتشف بأنفسنا إنْ كان بالمستطاع إحداث طفرة كلِّية في ذاك الوعي، سيواصل العالم اختلاق المزيد من البؤس، المزيد من البلبلة، المزيد من الرعب. ومنه، ليست مسؤوليتنا نوعًا ما من العمل الغيري، السياسي أو الاقتصادي، بل الإحاطة بطبيعة كياننا: لماذا صرنا هكذا، نحن البشر الذين مافتئنا نعيش على هذه الأرض الجميلة البديعة.

Continue reading

التربية والطبيعة – ج. كريشنامورتي

التربية والطبيعة
من رسائل إلى المدارس*

ج. كريشنامورتي مع أطفال من مدرسة أوك گروڤ، أوهَيْ، كاليفورنيا

ج. كريشنامورتي

 

1 تشرين الثاني 1983

من المؤكد تمامًا أن المربِّين واعون بما يحدث فعليًّا في العالم. الناس منقسمون عرقيًّا، دينيًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا، وفي هذا الانقسام تفتيت؛ إنه يسبِّب فوضى هائلة في العالم: الحروب، وشتى أنواع التضليل السياسي، إلى آخر ما هنالك. هناك تفشٍّ للعنف، الإنسان ضد الإنسان – هذه هي الحال الفعلية للبلبلة في العالم، في المجتمع الذي نعيش فيه. هذا المجتمع يخلقه البشر أجمعون بثقافاتهم، بانقساماتهم اللغوية، بانفصالهم الإقليمي. وهذا كلُّه لا يولِّد البلبلة وحسب، بل الكراهية، كمٌّ هائل من العداء، والمزيد من التباينات اللغوية. هذا ما يحدث، ومسؤولية المربِّي عظيمة للغاية حقًّا.

Continue reading

معرفة النفس – ج. كريشنامورتي

في معرفة النفس*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

حسبنا أن ننظر إلى العالم من حولنا حتى نرى البلبلة والبؤس والرغبات المتنازعة. وأغلب الناس المبالين والجدِّيين، – لا الناس الذين يلعبون لعبة التظاهُر، بل الناس المهتمُّون حقًّا، – إذ يدركون هذا العماء العالمي، سوف يرون بطبيعة الحال أهمية التفكر في مشكلة العمل. هناك العمل الجماهيري والعمل الفردي؛ و”العمل الجماهيري” صار مفهومًا مجردًا، مَهْربًا ملائمًا للفرد. فالفرد، إذ يظن أن هذا العماء، – هذا البؤس، هذه النكبة التي لا تنفك تتصاعد، – يمكن للعمل الجماهيري أن يحوِّله أو أن يُحِلَّ فيه النظام، تراه يصير غير مسؤول. “الجماهير” قطعًا كيان متخيَّل؛ فالجماهير هي أنت وأنا. ففقط حين لا نفهم – أنت وأنا – علاقة العمل الصحيح، ترانا نلوذ بالمفهوم المجرَّد المسمَّى “الجماهير” – وبذا نصير غير مسؤولين في عملنا. ومن أجل الإصلاح في العمل نبحث إما عن قائد وإما عن العمل المنظَّم الجماعي، وهو عمل “جماهيري” هو الآخر. وعندما نلوذ بقائد طلبًا للتوجيه في العمل، ترانا لا محالة نختار شخصًا نظن أنه سوف يعيننا على تجاوز مشكلاتنا نحن، بؤسنا نحن. لكن القائد نفسه – لأننا نختار قائدنا اعتبارًا من بلبلتنا – قائد مبلبل هو الآخر. فنحن لا نختار قائدًا إلا ويشبه أنفسنا؛ إذ لا نستطيع… لا نستطيع إلا أن نختار قائدًا مبلبلاً مثلنا؛ لذا فإن أمثال هؤلاء القادة، أمثال هؤلاء المرشدين والـگورو [المعلِّمين] الروحيين المزعومين، يقودوننا لا محالة إلى مزيد من البلبلة، إلى مزيد من البؤس. وبما أن ما نختار لا بدَّ وأن نختاره اعتبارًا من بلبلتنا فإننا حين نتبع قائدًا ترانا لا نتبع إلا إسقاطنا الذاتي المبلبل. لذا فإن مثل هذا العمل، مع أنه قد يثمر عن نتيجة فورية، يقود لا محالة إلى مزيد من النكبات.

Continue reading

حياة من غير أذى – ج. كريشنامورتي

الحياة من غير أذى*

ج. كريشنامورتي

السائل: كيف يمكن للواحد منَّا أن يعيش على هذه الأرض من غير أذى أو تدمير لجمالها، من غير جلب الشقاء والموت على الآخرين؟

كريشنامورتي: هل سبق لك أن طرحت هذا السؤال يومًا؟ فعليًّا؟ ليس نظريًّا، بل فعليًّا – هل تراك طرحت ذاك السؤال، واجهتَه؟ لا تتهرَّبْ منه، لا تفسِّرْه بأن الشقاء ضروري، وما إلى ذلك، بل انظرْ إليه، جابِهْه. هل سبق لك أن طرحت مثل هذا السؤال يومًا؟ ليس جماهيريًّا، ليس للقيام بمظاهرة ضد سياسيٍّ بعينه يريد أن يدمِّر حديقة وطنية، أو هذا أو ذاك. طرحُك مثل هذا السؤال يعني أنك تحترق به، أنه شيء هائل الواقعية، لا مجرَّد سؤال تخيُّلي تصرف به وقت النهار. [المسألة هي] الحياة على هذه الأرض، بجمالها الخارق، وعدم تدميرها، [هي] إنهاء الأسى، وعدم قتل إنسان آخر، عدم قتل أيِّ شيء حي. هناك طائفة معيَّنة في الهند وسيلة النقل عندهم هي المشي؛ إنهم لا يستقلُّون قطارات، ولا طائرات، ولا عربات، ويضعون قناعًا لكيلا يقتلوا حشرة بالتنفس. بعض تلك الجماعة أتوا لرؤية المتكلِّم وساروا ثمانمئة ميل! وهم يأبون القتل.

Continue reading

وصال – ج. كريشنامورتي

وصـال*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

إذا لم تكن في وصال مع أيِّ شيء فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، مع الضوء المسائي الخارق، مع ضوء الصباح على صفحة الماء؛ عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالـوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كلِّ شيء نظرة نَضِرة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كلِّ شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: “كيف لي أن أفعله؟” – فما أحمق هذا السؤال! الناس يسألون دومًا: “كيف لي أن أفعل هذا؟” وهذا يفضح ذهنيَّتهم: تراهم لم يفهموا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى نتيجة وحسب.

Continue reading