ثمانية حوارات*
الحوار الثاني
سائل: عند الناس المتديِّنين المزعومين جميعًا شيءٌ يشتركون فيه، وأرى هذا الشيء نفسه عند أكثر الناس القادمين للاستماع إليك. إنَّهم جميعًا يفتشون عن شيء ما يسمونه بأسماء متنوعة: نيرڤانا، التحرُّر، الاستنارة، تحقيق الذات، الأبدية، أو الله. هدفهم معيَّن سلفًا، يضعونه نُصْبَ أعينهم في تعاليم مختلفة، ولكلٍّ من هذه التعاليم، من هذه المذاهب، عدَّته من الكتب الشريفة، طُرُقه، معلِّموه، أخلاقياته، فلسفته، وعوده ووعيده – صراط مستقيم ضيق يستبعد باقي العالم ويَعِدُ عند آخِره بفردوس ما أو بسواه. أكثر هؤلاء الطالبين يتنقَّلون من طريقة لأخرى، مبدِّلين آخِر تعليم بالتعليم الذي تخلوا عنه مؤخرًا؛ يتنقَّلون من عربدة عاطفية إلى أخرى، غير متبصِّرين بأنَّ السيرورة نفسها جارية في هذا السعي كلِّه. بعضهم يبقى ضمن طريقة واحدة مع جماعة بعينها ويرفض التزحزح؛ وبعضهم الآخر يحسب في آخر المطاف أنَّه حقَّق ما كان يريد تحقيقه، ثم يصرف أيامه في غبطة منقطعة ما، مستدرجًا بدوره مجموعة مريدين يشرعون في الدورة برمَّتها من جديد. وفي هذا كلِّه، نجد الجشع القهري لبلوغ تحقيق ما، وغالبًا، خيبة الإخفاق وإحباطه المريرين. هذا كلُّه يبدو لي غير صحي للغاية. يضحِّي هؤلاء الناس بفعل الحياة العادي في سبيل هدف متخيَّل ما، وثمة شعور كريه للغاية ينبعث من هذا النوع من الأوساط: تعصُّب، هستيريا، عنف، غباء. ويندهش المرء حين يجد بينهم بعض الكتَّاب الجيدين الذين يبدون فيما عدا ذلك سليمي العقل نسبيًّا. هذا كلُّه يسمى دينًا؛ والأمر كلُّه يفوح منه النتن حتى السماء العليا! هذا هو بخور التقوى؛ وقد رصدتُه في كلِّ مكان. هذا البحث عن الاستنارة يسبِّب خرابًا هائلًا، والناس يضحَّى بهم في أعقابه. والآن أودُّ أن أسألك: هل يوجد في الواقع شيء ما كالاستنارة، وإنْ كان يوجد، فما هو؟
Continue reading →