أرشيف التصنيف: مقالات

رواقية – ألان

رواقـيَّـة*

ألان

ألان**

 

ربما لم يُحسِن الناسُ الاستفادةَ من الرواقيين ذائعي الصيت، وكأنَّ هؤلاء لا يعلِّموننا إلا مقاومة الطاغوت والاستخفاف بالعذاب. أما أنا فيستبين لي أكثرُ من استعمالٍ لحكمتهم الباسلة – ببساطة، ضد المطر والعاصفة. كان تفكُّرهم يقوم، كما هو معلوم، على بادرة للانفصال عن الشعور الأليم، والنظر فيه كموضوع، ومخاطبته: “أنتَ من الأشياء، لستَ منِّي.” وعلى العكس، مَن لا يجيدون بتاتًا فنَّ الحياة حياةَ الملوك على بساط حقير يتركون العاصفة تجتاح دواخلهم ويقولون طواعية: “أحسُّ بالعاصفة قادمةً من بعيد، وأنا نافد الصبر ومرهَق في آنٍ معًا… فارعدي، إذن، يا سماء!” إن هذا لمن قبيل التشبُّه بحياة الحيوان، مع الفكر زائدًا. إذ إن الحيوان، على ما يبدو، تكيِّفه برمَّته العاصفةُ القادمة، مثلما أن النبتة تنحني للشمس الحارقة وتنتصب في الظل؛ لكن الحيوان لا يعرف عن الأمر الشيء الكثير، مثلما أننا في النوم الخفيف لا نعرف إنْ كنَّا مبتهجين أم مكتئبين. تصلح هذه الحال من الخَدَر للإنسان أيضًا وتريحه دومًا، حتى في غمرة أشد أنواع المشقة، شريطة أن يسترخي التعيس كل الاسترخاء – وأعني هذا حرفيًّا: على جميع الجوارح أن تكون حسنة الاتِّكاء، وعلى جميع العضلات أن ترتخي؛ فثمة فنٌّ في التكوُّم المريح، هو ضرب من التدليك من الداخل، وهو نقيض التشنج، علَّة الغضب والأرق والجزع. فللَّذين يعجزون عن الخلود إلى النوم أقول بطيب خاطر: “تمثَّلوا بالقط النافق!”

Continue reading

"أين أنت؟" – عدين شطاينزلتس

“أين أنت؟”: البحث عن الذات*

عدين شطاينزلتس

عدين شطاينزلتس**

 

هناك سؤال لا ينفك المرء يطرحه طوال حياته في صور عديدة: “مَن أنا؟” هذا البحث عن الذات يبدؤه المرء مع بارقة الوعي الأولى – عند الولادة – ويواصله حتى ساعة مماته. من الممكن سوقُه، على حدٍّ سواء، خارج جميع المقولات العقلية أو بالاستعانة بأدقِّ تأملات الفكر. من الممكن القيام به على نحوٍ غير موعيٍّ بتاتًا مثلما قد يكون القضية المركزية لتفكُّر فاعل. مهما يكن من أمر، لا يقدر أحد أن يتهرب حقًّا من هذا السؤال تهربًّا تامًّا: “مَن أنا؟ من أين أتيت؟ إلى أين أذهب؟ لماذا يتعيَّن عليَّ أن أتخذ مثل هذا المسار بالضبط؟”

Continue reading

إپكتيتوس – ألان

إپكتيتوس*

ألان

ألان**

“ادحض الرأي الباطل، تقضِ على الشر” – هكذا يتكلم إپكتيتوس[1]. والنصيحة تصلح لِمَن كان يتوقع نيل الشريط الأحمر[2]، فيمتنع عن النوم مشغول البال بأنه لم ينله. هذا غلوٌّ في تقدير سطوة قطعة شريط؛ حسب المرء أن يفكر فيها كما هي – قليل من حرير، قليل من صباغ أحمر – فلا يكدِّره الأمر. ويُكثِر إپكتيتوس من إيراد أمثلة قاسية؛ فهذا الصديق الصالح يصطحبنا من كتفنا قائلاً: “ها أنت ذا مغتمٌّ لأنك لم تقوَ على احتلال هذه المكانة المرغوبة في السيرك[3] التي تظن أنك حقيق بها. تعال إذن، فالسيرك خالٍ الآن؛ تعال والمسْ هذا الحجر الرائع؛ بوسعك حتى أن تجلس عليه.” الدواء هو هو إيَّاه لصدِّ جميع المخاوف وجميع المشاعر المستبدَّة: يجب الذهاب إلى الشيء رأسًا ورؤية ما هو.

Continue reading

انظر إلى المدى البعيد – ألان

انظرْ إلى المدى البعيد*

ألان

ألان**

 

السوداوي، ليس عندي غير شيء واحد أقوله له: “انظرْ إلى المدى البعيد.” فالسوداوي يكاد دومًا أن يكون امرءًا يغالي في القراءة. العين البشرية لم تُصنَع لمثل هذه المسافة بتاتًا؛ فالأمداء البعيدة هي ما ترتاح إليه. تراك حين تعاين النجوم أو أفق البحر فإن عينك تكون مستريحة تمامًا؛ وإذا كانت العين مستريحة كان الرأس حرًّا والمشية أكثر رسوخًا؛ كل شيء يستريح ويلين حتى الأحشاء. لكنْ لا تحاولنَّ البتة أن تليِّن نفسك متعمِّدًا؛ فالإرادة فيك، حين تطبِّقها على نفسك، تشدُّ كل شيء بالوَرْب وينتهي بها الأمرُ إلى خنقك. لا تفكرْ في نفسك؛ انظرْ إلى المدى البعيد.

Continue reading

المادية الروحية والروحانية – ديمتري أڤييرينوس

“الماديَّة الروحيَّة” والروحانيَّة

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

الأنا المادية والذات الروحية لا يمكن لهما أن تلتقيا أبدًا،
وعلى إحداهما أن تتوارى، لأنه لا مكان ثمة لاثنين.
هـ.پ. بلاڤاتسكيا، صوت الصمت

 

لا بدَّ أن بعضنا قد تناهى إلى سمعه التصريح المنسوب إلى الكاتب وذوَّاقة الفن أندريه مالرو في أواخر ستينيات القرن الفائت: “القرن الحادي والعشرون سوف يكون روحيًّا spirituel (وبعضهم ينقل عنه قوله: “صوفيًّا” mystique) أو لن يكون!” فما مقدار معقولية نبوءة المفكر الفرنسي، بقطع النظر عن صحة نسبتها إليه؟ وماذا ترانا نعاين في واقع عالم اليوم، نحن الذين حَبَتْهُم الأقدارُ أن يكونوا من أبناء هذا القرن الوليد؟

Continue reading

في المرج الكبير – ألان

في المرج الكبير*

ألان

ألان**

 

لدى أفلاطون قصصٌ كحكايات العجائز، تشبه من هذا القبيل جميع حكايات العجائز، لكنها، عبر كلمات صغيرة بعينها يلقيها كما لو تلميحًا، تراها تدوِّي في أعماق نفوسنا وتضيء منها بغتة خبايا مجهولة. من هذه القصص قصة رجل يدعى إرْ Er، كان قد حُسِبَ في عداد القتلى بعد إحدى المعارك، ثم عاد من عالم الموتى[1] حالما تبيَّن الغلط، فروى ما رأى هناك.

Continue reading

التناغم مع الكون – ديمتري أڤييرينوس

التناغم مع الكون

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

ثمة حرارة واحدة، نَفَس واحد، الأشياء كلها يعطف بعضها على بعض.
~ أبقراط

 

باتت مسألة التناغم قضية ذات أهمية حيوية مصيرية – لا لتحقيق السعادة المأمولة للبشرية الشقية، بل لبقاء النوع البشري أصلاً. فلمَّا كان تناغمنا اليوم مع البيئة ومع سوانا من البشر ومع أنفسنا شديد الاختلال – وهل من أحد يشكك في هذا الواقع الفاضح والمؤلم؟! –، ترانا نتسبب في وقوع أضرار جسيمة على العلاقات المتبادلة، بيننا وبين الطبيعة وفيما بيننا، وعلى تطوُّرنا، نفسيًّا وجسميًّا – حتى إن العديد من المراقبين لا يستبعدون، من جراء تراكُم هذه الأضرار، وقوع كارثة عالمية ماحقة. والضرر الواقع علينا لا يمكن فصله، ولا لحظة واحدة، عن الضرر الواقع على غيرنا – فنحن، فعليًّا، مسؤولون عن الإنسانية ككل، وذلك لأن كل واحد منا مختصَر مكثَّف للنوع البشري بأسره، كما ظل ج. كريشنامورتي يلحُّ مرارًا وتكرارًا.

Continue reading