أرشيف التصنيف: مقالات

تنبؤات – ألان

تـنبُّـؤات*

ألان

ألان**

 

أعرف رجلاً عرض خطوط يده على عرَّاف، وذلك لكي يعرف قَدَره؛ وقد فعل ذلك على سبيل اللعب، على ما قال لي، ومن غير أن يصدِّقه. مع ذلك، لو كان سألني رأيي في الأمر لكنت صرفتُه عنه لأن تلك لعبة خطرة: فما أسهل أن لا نصدِّق مادام لم يُقَلْ شيءٌ بعدُ؛ ففي تلك اللحظة بالذات لا شيء يستدعي التصديق، ولعله ما من امرئ يصدِّق. عدم التصديق سهل بدايةً، لكنه سرعان ما يصير صعبًا؛ والعرَّافون يعرفون ذلك جيدًا. تراهم يقولون: “إذا لم تكن تصدِّق فما الذي تخشاه؟” – وهكذا ينصبون فخَّهم. أما أنا فأخشى أن أصدِّق؛ إذ كيف لي أن أعرف ما سيقول لي؟

Continue reading

السأم – ألان

السَّــأم*

ألان

ألان**

 

حين لا يبقى عند الرجل من شيء يبنيه أو يهدمه، تراه يغدو شديد التعاسة. أما النساء – وأقصد المشغولات منهنَّ بأعمال المنزل وبالعناية بالأطفال – فأغلب الظن أنهنَّ لن يفهمن أبدًا تمام الفهم لماذا يذهب الرجال إلى المقهى ويلهون بالكوتشينة. العيش مع النفس والتأمل في النفس لا قيمة لهما.

في رواية ڤلهلم مايستر البديعة لگوته[1]، ورد ذكر “جمعية زاهدين” تحرِّم على أعضائها التفكير في المستقبل وفي الماضي. هذه القاعدة، بقدر ما يُستطاع التقيُّدُ بها، قاعدة حسنة جدًّا. ولكنْ، حتى يُستطاع التقيُّدُ بها، لا مناص للأيدي وللعيون من أن تكون مشغولة. فالإدراك والعمل هما العلاجان الحقيقيان. على العكس، إذا قعد المرء عن العمل سرعان ما يقع فريسة التخوف والتحسُّر. التفكير ضرب من اللهو ليس صحيًّا للغاية دومًا؛ فبوجه العموم، يدور المرء في مكانه من غير أن يتقدم. لذا كتب جان-جاك الكبير[2]: “امرؤ يتأمل حيوان منحط.”

Continue reading

حسن الظن – ألان

حسن الظن*

ألان

ألان**

 

“ما أصعب الرضا عن أحدهم!” من شأن مقولة لابرويار[1] الصارمة هذه أن تجعلنا سلفًا نلزم جانب الحيطة. إذ إن الحسَّ السليم يقضي بأن يتكيف كل واحد مع الشروط الواقعية للحياة في المجتمع، وليس من العدل في شيء إدانة الإنسان المتوسط؛ فذلك من قبيل جنون كاره البشر. وإذن، فمن غير أن أفتش عن الأسباب، تراني أتحاشى النظر إلى أشباهي وكأني مُشاهِدٌ دفع ثمن مكان جلوسه ويريد أن يرى من الآخرين ما يسرُّه. بل على العكس، إذ أسترجع في نفسي مألوف هذا الوجود الصعب، أجدني أتوقع سلفًا من كل شيء أسوأه؛ أفترض أن مُحادِثي يعاني معدة سقيمة أو صداعًا، أو ربما همومًا مالية أو خلافات بيتية. سماء مريبة هي سماء آذار، أقول لنفسي، يختلط فيها الرمادي والأزرق، ومضات الشمس وهبَّات الشمال اللاذعة؛ فأحتاط لنفسي بفرائي ومظلَّتي.

Continue reading

تحت المطر – ألان

تحت المطر*

ألان

ألان**

 

هناك، على كل حال، من الأوجاع الواقعية ما يكفي؛ لكن ذلك لا يحُول دون إضافة الناس المزيدَ عليها عبر نوع من اجترار المخيِّلة. تراك تصادف كل يوم رجلاً واحدًا على الأقل يشتكي من المهنة التي يمتهنها، فيبدو لك في كلامه دومًا ما يكفي من التماسك، لأن ثمة ما يُعاب في كل شيء، وما من شيء كامل.

أنت، يا ذا المدرِّس، عليك، كما تقول، أن تعلِّم فتية شرسين لا يفقهون شيئًا ولا يكترثون بشيء؛ وأنت، أيُّها المهندس، غائص في بحر من الأوراق؛ وأنت، أيُّها المحامي، تترافع أمام قضاة يهضمون طعامهم غافين بدلاً من أن يستمعوا إليك. أغلب الظن أن ما تقوله صحيح، وأنا آخذه على محمل الصدق؛ ففي هذه الأمور دومًا ما يكفي من الصحة كي يجوز قولها. وإذا كنت، فوق ذلك، تعاني معدة معتلَّة، أو كان حذاؤك يسرِّب الماء، فأنا أتفهَّمك كل التفهم؛ حسب ذلك مدعاةً لِلَعْن الحياة، والبشر، وحتى الله، إنْ كنت تؤمن بوجوده.

Continue reading

اطلبوا الملكوت… – ديمتري أڤييرينوس

اطلبوا الملكوت…

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

لا تكنزوا لأنفسكم كنوزًا في الأرض، حيث يُفسِد السوس
والعث وينقب السارقون فيسرقون، بل اكنزوا لأنفسكم
كنوزًا في السماء، حيث لا يُفسِد السوس والعث ولا
ينقب السارقون فيسرقوا. فحيث يكون كنزك يكون قلبك.
إنجيل متى 6: 19-21

ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلَّه وخسر نفسه؟
إنجيل متى 16: 26

 

نتذكر صديقًا علَّق ذات يوم على زيارته “جنة العريف”، أحد متنزَّهات قصر الحمراء بغرناطة، بقوله: “أحسست بأني في الجنة فعلاً!” بيد أن السماء والأرض كلتيهما فينا. حين يقول أحدهم مجازًا: “أنا في الجنة!” أو “صوت فلانة ملائكي!” إلخ، فهو يعني بذلك أن ما يختبره من الروعة بحيث يُشعِرُه بنشوة غير اعتيادية. هذه الخبرة، في الواقع، إنما هي حال وعي، لأن جميع المشاعر الذاتية، سواء كانت فرحًا أو سلامًا، خوفًا أو عذابًا، منطلقها الوعي ومستقرُّها الوعي. لماذا يوصف حقلٌ قانٍ من شقائق النعمان في الربيع بأنه “سماوي”، مع أنه مزهر على الأرض بكل تأكيد، إذا لم تكن الخاصية “السماوية” فيه هي حال الوعي لدى رؤيته؟ ومنه، فإن ما يُسمَّى “الجنة” إنما هو حال وجودٍ باطنية، وليس موقعًا على مرتبة وجودية أخرى أو مكانًا آخر بعينه.

Continue reading

أفلاطون طبيبًا – ألان

أفلاطون طبيبًا*

ألان

ألان**

 

كان ترويض البدن والموسيقى وسيلتَي أفلاطون الطبيب الكبريين. والرياضة البدنية تعني اشتغال العضلات المعتدل بنفسها بغية مطِّها وتدليكها داخليًّا بحسب حالها. تشبه العضلات الموجوعة إسفنجًا محشوًّا بالغبار؛ فتنظَّف العضلةُ كما ينظَّف الإسفنج، وذلك بحقنها بالسائل والضغط عليها أكثر من مرة. لقد قال أهل الفسيولوجيا تكرارًا بأن القلب عضلة جوفاء؛ ولكنْ، بما أن العضلات تتضمن شبكة غنية من الأوعية الدموية، تضيق وتتوسع على التناوب مع الانقباض والانبساط، يصح قولنا أيضًا بأن كل عضلة أشبه ما تكون بقلب إسفنجي يمكن لحركاته – وهي حيلة نفيسة – أن تُضبَط إراديًّا. ومنه نرى أن الذين ليسوا بتاتًا سادة عضلاتهم بالرياضة البدنية – هؤلاء الذين نسمِّيهم خجولين – يحسُّون في نفسهم بموجات دم هوجاء تتدفق نحو الأجزاء الرخوة من البدن، ما يجعل وجهَهم يحمرُّ تارةً دونما سبب، ومخَّهم يغزوه تارةً أخرى دمٌ عَجول، فتصيبهم نوبة هلع قصيرة، وأحشاءَهم طورًا كأنها غُمِرتْ، وهي وعكة معروفة جيدًا – وهذه عوارض يجدي معها قطعًا تمرينُ العضلات تمرينًا مضبوطًا. وإننا هاهنا نعاين ظهور الموسيقى على هيئة أستاذ الرقص الذي يضبط بكمنجته الرديئة الصغيرة دورانَ الدم في الأحشاء على أحسن ما يرام. وبذلك فإن الرقص يشفي من الخجل، كما هو معلوم، لكنه يفرِّج عن القلب أيضًا بطريقة أخرى، وذلك بمطِّ العضلات مطًّا معتدلاً بكل هدوء.

Continue reading

الظواهر والحقيقة – ديمتري أڤييرينوس

الظَّواهر والحقيقة

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

مَن خَبِرَ العالمَ بنفسه، غير مبالٍ برأي سواه، لا يعلِّم إلا حقيقتين:
حقيقة الباطن وحقيقة الظواهر – ولا توجد حقيقة ثالثة.
سوترا بوذي

 

الإپستمولوجيا (من اليونانية: epistêmê، “علم”، و logos، “عقل”) فرع أساس من فروع الفلسفة مختص بدراسة تاريخ المعرفة ومبادئها ومناهجها؛ إنها، إذن، تتناول نظرية المعرفة والوسائل إليها. لكن أغلب الناس لا يفقهون أهميتها لأنهم ينظرون إلى المسألة برمَّتها من زاوية مغالية في التبسيط؛ فالمعرفة الحقيقية – وهي الحكمة – ليست في واقع الأمر ميسورة المنال، بعكس ما يظنون.

Continue reading