تنبؤات – ألان

تـنبُّـؤات*

ألان

ألان**

 

أعرف رجلاً عرض خطوط يده على عرَّاف، وذلك لكي يعرف قَدَره؛ وقد فعل ذلك على سبيل اللعب، على ما قال لي، ومن غير أن يصدِّقه. مع ذلك، لو كان سألني رأيي في الأمر لكنت صرفتُه عنه لأن تلك لعبة خطرة: فما أسهل أن لا نصدِّق مادام لم يُقَلْ شيءٌ بعدُ؛ ففي تلك اللحظة بالذات لا شيء يستدعي التصديق، ولعله ما من امرئ يصدِّق. عدم التصديق سهل بدايةً، لكنه سرعان ما يصير صعبًا؛ والعرَّافون يعرفون ذلك جيدًا. تراهم يقولون: “إذا لم تكن تصدِّق فما الذي تخشاه؟” – وهكذا ينصبون فخَّهم. أما أنا فأخشى أن أصدِّق؛ إذ كيف لي أن أعرف ما سيقول لي؟

أحسب أن العرَّاف كان مؤمنًا بنفسه؛ فلو أن العرَّاف يريد أن يهزَل وحسب لأنبأ عن أحداث عادية ومتوقعة في عبارات ملتبسة: “سوف تصادفك متاعب وبضعة إخفاقات صغيرة، لكنك في النهاية سوف تنجح؛ عندك أعداء، لكنك سوف تنتصف منهم يومًا ما، وفي هذه الأثناء، سوف يعزِّيك وفاءُ أصدقائك؛ ستتلقَّى قريبًا رسالة تتعلق بهموم تشغل بالك حاليًّا… إلخ.” بالوسع الاستمرار هكذا طويلاً، وذلك لا يضرُّ أحدًا.

أما إذا كان العرَّاف، بنظر نفسه، عرَّافًا حقيقيًّا فهو قادر عندئذٍ كل القدرة أن ينبئك بمصائب رهيبة؛ وأنت، أيها المعتدُّ بعقله، سوف تضحك. ولا يقل صحة عن ذلك أن كلامه سوف يَعْلَقُ بذاكرتك وأن أقواله سوف تعود وتزور خواطرك وأحلامك خلسة، فتعكِّر صفو بالك بعض الشيء وحسب، حتى يحين يوم يبدو فيه وكأن الأحداث تنحو إلى التطابق معها.

عرفت فتاة قال لها عرَّاف ذات يوم، من بعد أن حلَّل خطوط يدها: “سوف تتزوجين؛ سوف تنجبين طفلاً؛ سوف تفقدينه.” نبوءة كهذه متاعٌ خفيفُ الحمل ما ظلَّ المرء يقطع الأشواط الأولى. لكن الزمن مرَّ؛ والفتاة تزوجت؛ وقد أنجبت مؤخرًا طفلاً؛ وها قد صارت النبوءة أثقل حِمْلاً. فإذا عرض للطفل عارضٌ من مرض ستطنُّ أقوال الشؤم كالنواقيس في أذنَي الأم. ولعلها قد استهزأت سابقًا بالعرَّاف؛ فيكون العرَّاف قد أخذ ثأره فعلاً!

تقع في هذا العالم أنواع الأحداث كلُّها؛ ومنها لقاءات من شأنها أن تزعزع أشد الأحكام رسوخًا. تراك تضحك من نبوءة مشؤومة وبعيدة الاحتمال؛ لكنك سوف تضحك أقل إذا تحققتْ هذه النبوءة جزئيًّا، وأشجع الرجال سوف ينتظر إذ ذاك التتمة؛ فمخاوفنا، كما هو معلوم، لا تقلُّ تعذيبًا لنا من الكوارث نفسها. قد يتفق لنبيَّين، من غير أن يعرف أحدهما الآخر، أن ينبآك بالأمر نفسه؛ فإذا لم يبلبلك هذا التوافق أكثر مما يجيزه ذكاؤك هنيئًا لك!

أما عن نفسي، فأفضِّل كثيرًا ألا أفكر في المستقبل، فلا أتوقع أبعد من قدمَي. وهكذا لن أكتفي فقط بأنْ لا ألتمس من العرَّاف أن أريه باطن يدي، بل أكثر من ذلك، لن أحاول أن أقرأ المستقبل في طبيعة الأشياء؛ إذ إني لا أظنُّنا بعيدي النظر إلى هذا الحد، مهما كان مبلغ نصيبنا من العلم. وقد لحظت أن كل الأحداث الهامة التي تحصل لعموم الناس أحداث غير متوقعة ومما لم يُحسَب له حساب. وعندما يبرأ المرء من الفضول يبقى عليه جزمًا أن يبرأ من الحذر أيضًا.

14 نيسان 1908


* Alain, « Prédictions », in Propos sur le bonheur (1928), Gallimard, coll. « Idées », 1964, pp. 68-70.

** لقب أستاذ الفلسفة الفرنسي إميل شارتييه (1868-1951). كاتب مقالة لامع، تفصح مقالاته القصار – وهي جنس أدبي-فلسفي برع فيه – عن مذهب إنساني روحي تتخلَّله السخرية الرفيعة والملاحظة الدقيقة. قال بضرورة مزاولة الفيلسوف العملَ اليدوي وبضرورة اطِّلاعه على العلوم حتى لا تفارق الفلسفةُ الحياةَ العملية، كما أدان الحرب بكل أشكالها. قيل إن كتاباته أنقذت العديد من القراء من اليأس.