أفلاطون طبيبًا*
ألان**
كان ترويض البدن والموسيقى وسيلتَي أفلاطون الطبيب الكبريين. والرياضة البدنية تعني اشتغال العضلات المعتدل بنفسها بغية مطِّها وتدليكها داخليًّا بحسب حالها. تشبه العضلات الموجوعة إسفنجًا محشوًّا بالغبار؛ فتنظَّف العضلةُ كما ينظَّف الإسفنج، وذلك بحقنها بالسائل والضغط عليها أكثر من مرة. لقد قال أهل الفسيولوجيا تكرارًا بأن القلب عضلة جوفاء؛ ولكنْ، بما أن العضلات تتضمن شبكة غنية من الأوعية الدموية، تضيق وتتوسع على التناوب مع الانقباض والانبساط، يصح قولنا أيضًا بأن كل عضلة أشبه ما تكون بقلب إسفنجي يمكن لحركاته – وهي حيلة نفيسة – أن تُضبَط إراديًّا. ومنه نرى أن الذين ليسوا بتاتًا سادة عضلاتهم بالرياضة البدنية – هؤلاء الذين نسمِّيهم خجولين – يحسُّون في نفسهم بموجات دم هوجاء تتدفق نحو الأجزاء الرخوة من البدن، ما يجعل وجهَهم يحمرُّ تارةً دونما سبب، ومخَّهم يغزوه تارةً أخرى دمٌ عَجول، فتصيبهم نوبة هلع قصيرة، وأحشاءَهم طورًا كأنها غُمِرتْ، وهي وعكة معروفة جيدًا – وهذه عوارض يجدي معها قطعًا تمرينُ العضلات تمرينًا مضبوطًا. وإننا هاهنا نعاين ظهور الموسيقى على هيئة أستاذ الرقص الذي يضبط بكمنجته الرديئة الصغيرة دورانَ الدم في الأحشاء على أحسن ما يرام. وبذلك فإن الرقص يشفي من الخجل، كما هو معلوم، لكنه يفرِّج عن القلب أيضًا بطريقة أخرى، وذلك بمطِّ العضلات مطًّا معتدلاً بكل هدوء.
منذ بضعة أيام، قال لي امرؤ يعاني صداعًا إن حركات المضغ، في أثناء الوجبات، سرعان ما تخفف عنه الألم. فقلت له: “عليك إذن بمضغ اللبان، على طريقة الأميركيين.” لكني لا أدري إنْ كان قد جرَّبه. الوجع سرعان ما يجعلنا فريسة تصورات ميتافيزيقية: نتخيل في بؤرة الوجع داءً، كائنًا خرافيًّا تسلَّل إلى ما تحت جلدنا، ونودُّ أن نطرده بالسحر. يبدو لنا غير قابل للتصديق أن يمحو الوجعَ – الوحشَ الناهشَ – تحريكٌ للعضلات مضبوط؛ إنما ليس هناك، على وجه العموم، من وحش ناهش بتاتًا، ولا شيء من هذا القبيل: إنْ هي إلا استعارة بلاغية رديئة. جرِّبْ أن تبقى واقفًا طويلاً على رجل واحدة، وستلحظ أنك لن تحتاج إلى تغيير كبير لإحداث وجع مبرِّح، ولا إلى تغيير كبير لإزالته. فالمطلوب، في الحالات كلها، أو في معظمها، هو ابتكار رقصة بعينها. كلٌّ يعرف جيدًا أنها سعادة أن يمطَّ المرء عضلاته ويتثاءب في حرية؛ لكن ما لا يخطر بالبال بتاتًا هو تجريب ذلك على سبيل الرياضة البدنية، وذلك من أجل الشروع في هذه الحركة المحرِّرة. على الذين لا يتيسر لهم النوم أن يحاكوا النعاس وسعادة الاسترخاء؛ لكنهم، على العكس، يحاكون نفاد الصبر والكرب والغضب – وهاهنا مضرب جذور الكبرياء التي تعاقَب دومًا عقابًا شديدًا. لذا تراني، مستعيرًا قلنسوة هيپوقراطس[1]، أحاول أن أصف التواضع الحق، شقيق الصحة وابن ترويض البدن والموسيقى.
4 شباط 1922
* Alain, « Platon médecin », in Propos sur le bonheur (1928), Gallimard, coll. « Idées », 1964, pp. 213-215.
** لقب أستاذ الفلسفة الفرنسي إميل شارتييه (1868-1951). كاتب مقالة لامع، تفصح مقالاته القصار – وهي جنس أدبي-فلسفي برع فيه – عن مذهب إنساني روحي تتخلَّله السخرية الرفيعة والملاحظة الدقيقة. قال بضرورة مزاولة الفيلسوف العملَ اليدوي وبضرورة اطلاعه على العلوم حتى لا تفارق الفلسفةُ الحياةَ العملية، كما أدان الحرب بكل أشكالها. قيل إن كتاباته أنقذت العديد من القراء من اليأس.
[1] هو أبقراط اليوناني (حوالى 460-377 ق م) في التراث العربي، أشهر أطباء العصور القديمة. يتأسس مذهبه في الطب على التحولات الطارئة على أخلاط البدن؛ وأخلاقه هي في الأصل من اليمين التي يؤديها أطباء العالم أجمع لدى تخرُّجهم (قَسَم أبقراط). (المحرِّر)