إپكتيتوس – ألان

إپكتيتوس*

ألان

ألان**

“ادحض الرأي الباطل، تقضِ على الشر” – هكذا يتكلم إپكتيتوس[1]. والنصيحة تصلح لِمَن كان يتوقع نيل الشريط الأحمر[2]، فيمتنع عن النوم مشغول البال بأنه لم ينله. هذا غلوٌّ في تقدير سطوة قطعة شريط؛ حسب المرء أن يفكر فيها كما هي – قليل من حرير، قليل من صباغ أحمر – فلا يكدِّره الأمر. ويُكثِر إپكتيتوس من إيراد أمثلة قاسية؛ فهذا الصديق الصالح يصطحبنا من كتفنا قائلاً: “ها أنت ذا مغتمٌّ لأنك لم تقوَ على احتلال هذه المكانة المرغوبة في السيرك[3] التي تظن أنك حقيق بها. تعال إذن، فالسيرك خالٍ الآن؛ تعال والمسْ هذا الحجر الرائع؛ بوسعك حتى أن تجلس عليه.” الدواء هو هو إيَّاه لصدِّ جميع المخاوف وجميع المشاعر المستبدَّة: يجب الذهاب إلى الشيء رأسًا ورؤية ما هو.

وإپكتيتوس هذا نفسه يقول للمسافر المبحر: “أنت خائف من هذه العاصفة، وكأنَّ عليك أن تبتلع هذا البحر الكبير برمَّته؛ ولكنْ، يا عزيزي، بحسْبك مكيالان من الماء لكي تغرق.” إنه موقن أن حركة الموج المهولة هذه تمثل الخطر الحقيقي أسوأ التمثيل. يقول المرء ويفكر: “بحر هائج؛ صوت الهاوية؛ أمواج غاضبة؛ نذير؛ هجوم.” ذلك ليس صحيحًا البتة؛ إنه مجرد تذبذُب تابع لجاذبية الأرض والمدِّ والجَزْر والريح؛ ما من قَدَر مشؤوم؛ ليس هذا الصخب كله ولا هذه الحركة كلها ما سيقتلك؛ ما من قضاء مبرم: يمكن للمرء أن ينجو من الغرق، كما يمكن له أن يغرق في ماء هادئ. المشكلة الحقيقية هي هذه: هل سيبقى رأسك خارج الماء؟

تناهى إلى سمعي ما يُروى عن بحارة قديرين كانوا، إذا دنوا من صخرة ملعونة بعينها، ينبطحون على القارب مغطِّين عيونهم. وبذا كان كلام سبق لهم أن سمعوه يقتلهم. وجثثهم الملفوظة على ذاك الشاطئ نفسه كانت تشهد للرأي الباطل. أما مَن يُحسِنُ التفكير في مجرد صخور، في تيارات، في دوامات، وفي الحاصل، في قوى مترابطة وقابلة للتعليل تمامًا، فهو قادر على التحرر من إسار الرعب كلِّه، وربما من الضرر كلِّه. مادام المرء يناور فهو لا يرى إلا خطرًا واحدًا بعينه في وقت واحد. المبارز الماهر لا يجزع البتة لأنه يرى رؤية واضحة ما يفعل وما يفعل خصمه؛ أما إذا سلَّم أمره للقَدَر فإن النظرة السوداء التي تتربص به تطعنه قبل أن يطعنه السيف؛ وهذا الخوف أسوأ من الضرر.

إن رجلاً عنده حصاة في الكلية ويسلِّم أمره للجراح يتخيل بطنًا مفتوحًا ودمًا دافقًا. أما الجراح فلا. الجراح يعرف أنه لن يشقَّ خلية واحدة، أنه سيباعد فقط بين خلايا هذه المستعمرة من الخلايا ويشقُّ لنفسه ممرًّا عبرها؛ ربما اتفق له أن يدع قليلاً من هذا السائل الذي يغمرها ينزف، لعله أقل حتى مما يكلِّف جرحٌ من النزف يدًا سيئة التضميد. إنه يعرف ما هم أعداء هذه الخلايا الحقيقيون الذين تشكِّل لصدِّهم هذا النسيجَ المرصوصَ الذي يقاوم الحديد؛ إنه يحدِّد مكمن هذا العدو – الجرثومة – بهذه الحصاة التي تسدُّ الطريق على الفضلات الطبيعية؛ إنه يعرف أن مبضعه يحمل الحياة، لا الموت؛ يعرف أن ذلك كلَّه، بعد أن يندحر الأعداء، سرعان ما سيحيا من جديد، على غرار الجرح الدقيق والنظيف، لا يكاد أن يُحدَث حتى يلتئم. فإذا تسلَّح العليل بهذه الأفكار، إذا دحض الرأي الباطل، فهذا قد لا يشفيه من الحجر، لكنه على الأقل يشفيه من الخوف.

10 كانون الأول 1910


* Alain, « Épictète », in Propos sur le bonheur (1928), Gallimard, coll. « Idées », 1964, pp. 164-166.

** لقب أستاذ الفلسفة الفرنسي إميل شارتييه (1868-1951). كاتب مقالة لامع، تفصح مقالاته القصار – وهي جنس أدبي-فلسفي برع فيه – عن مذهب إنساني روحي تتخلَّله السخرية الرفيعة والملاحظة الدقيقة. قال بضرورة مزاولة الفيلسوف العملَ اليدوي وبضرورة اطلاعه على العلوم حتى لا تفارق الفلسفةُ الحياةَ العملية، كما أدان الحرب بكل أشكالها. قيل إن كتاباته أنقذت العديد من القراء من اليأس.

[1] فيلسوف رواقي يوناني اللسان (حوالى 50-130 م)؛ كان عبدًا في روما، أعتقه سيده، ثم ما لبث أن نُفي. مدار أخلاقه حول الفارق بين ما يتوقف على الفرد وما لا يتوقف عليه؛ لم يكتب، فلم يصلنا منه غير المحادثات والوجيز اللذين دوَّنهما أحد تلامذته. (المحرِّر)

[2] كناية عن الفوز بمنزلة عالية وما يصاحبه من تشريف. (المحرِّر)

[3] ميدان مستدير مدرَّج في روما القديمة كان يتصارع فيه المُجالِدون أو يصارعون الحيوانات الضارية. (المحرِّر)