أرشيف التصنيف: فلسفيات

مستقبلنا – ألان

مستقبلنا*

ألان

ألان**

 

مادمنا لا نحسن فهم ترابُط الأشياء كلِّها وتسلسل الأسباب والنتائج فالمستقبل يعيينا. ترى حلمًا أو كلامًا ينطق به ساحر يقتل آمالنا؛ النذائر تأتينا من كلِّ حدب وصوب. هي فكرة لاهوتية. كلٌّ منَّا يعرف حكاية ذلك الشاعر الذي تنبَّأ له عرَّاف بأنه سيموت من جراء سقوط بيت على رأسه فصار يبيت في العراء؛ لكن هذا لم يثنِ الآلهة عن مرادها، فألقى نسرٌ بسلحفاة على رأسه الأصلع ظنًّا منه أنه حجر! كما تُروى حكايةٌ عن ابن بعض الملوك كُتِبَ عليه، حسبما نطق به العرَّاف، أن يُهلِكَه أسد، فاستُبقي في الدار مع النساء؛ لكنه ما لبث أن اغتاظ من ستارة مطرَّزة تمثِّل أسدًا، فسحج قبضته بمسمار صدئ ثم مات من الغنغرينة!

Continue reading

الحتمية – ألان

الحـتـمـيَّة*

ألان

ألان**

 

نحن لا نعرف أن نبدأ شيئًا، أقول، ولا حتى لمدِّ ذراع: فما من أحد “يبدأ” بإصدار أمر إلى الأعصاب أو إلى العضلات، لكن الحركة تبدأ من تلقاء ذاتها؛ وشأننا نحن هو أن نتابعها ونتمَّها على أحسن ما يكون. وهكذا فنحن، وإنْ كنَّا لا نقرِّر أبدًا، ترانا دومًا نسوق، شأننا شأن سائق العربة يلجم الحصان النزق. لكن الحوذي لا يستطيع أن يلجم إلا الحصان الذي ينزق؛ وذاك هو ما يسمَّى انطلاقًا: يستفيق الحصان وينفر، والحوذي يوجِّه هذه الهَبَّة. بالمثل، إذا كانت السفينة عديمة الاندفاع فهي لا تذعن للدفة بتاتًا. قصارى القول إنه لا بدَّ من الانطلاق كيفما اتَّفق؛ ويحين من ثَمَّ وقتُ التساؤل عن الوجهة التي نقصد.

Continue reading

صداقة – ألان

صـداقـة*

ألان

ألان**

 

في الصداقة أفراح رائعة. نفهم ذلك من غير عناء إذا ما لحظنا أن الفرح يسري. حَسْب حضوري أن يوفِّر لصديقي القليل من الفرح الحق حتى يجعلني مشهدُ فرحته هذه أشعر بدوري بفرحة. وبذا فإن كلَّ واحد يستردُّ الفرحَ الذي يبذله، وفي الوقت نفسه، يُطلَقُ سراحُ كنوز من الفرح، وكلاهما يقول للآخر: “كانت بي سعادة لم أكن أفعل بها شيئًا.”

Continue reading

المزاج الطيب – ألان

طيب المزاج*

ألان

ألان**

 

لو قُيِّضَ لي – عَرَضًا – أن أكتب رسالة في الأخلاق لوضعتُ المزاج الطيب في مقدمة الواجبات. لا أدري أيَّ دين شرس لقَّننا أن الحزن عظيم وجميل، وأن على الحكيم أن يتأمل الموت وهو يحفر قبره بيديه! لما كنت في العاشرة من عمري زرت دير التراپ الكبير[1]، فرأيت هذه القبور تُحفَر قليلاً كل يوم ومصلَّى الموتى حيث كان الأموات يبقون أسبوعًا ونيفًا ليعتبر بهم الأحياء. ولطالما ظلت الصور القاتمة ورائحة الجيف هذه تلاحقني. لكنهم كانوا قد غالوا في البرهان! ليس بمقدوري أن أحدِّد بالضبط – إذ إنني نسيت – في أي لحظة خرجت من الكثلكة وما هي الأسباب التي جعلتني أفعل. لكني منذ تلك اللحظة قلت لنفسي: “لا يُعقَل أن يكون ذاك هو سرُّ الحياة الحق!” كان كياني كله ينتفض على هؤلاء الرهبان البَكَّائين. وقد طلَّقت دينهم كمن يطلِّق داءً!

Continue reading

تنبؤات – ألان

تـنبُّـؤات*

ألان

ألان**

 

أعرف رجلاً عرض خطوط يده على عرَّاف، وذلك لكي يعرف قَدَره؛ وقد فعل ذلك على سبيل اللعب، على ما قال لي، ومن غير أن يصدِّقه. مع ذلك، لو كان سألني رأيي في الأمر لكنت صرفتُه عنه لأن تلك لعبة خطرة: فما أسهل أن لا نصدِّق مادام لم يُقَلْ شيءٌ بعدُ؛ ففي تلك اللحظة بالذات لا شيء يستدعي التصديق، ولعله ما من امرئ يصدِّق. عدم التصديق سهل بدايةً، لكنه سرعان ما يصير صعبًا؛ والعرَّافون يعرفون ذلك جيدًا. تراهم يقولون: “إذا لم تكن تصدِّق فما الذي تخشاه؟” – وهكذا ينصبون فخَّهم. أما أنا فأخشى أن أصدِّق؛ إذ كيف لي أن أعرف ما سيقول لي؟

Continue reading

السأم – ألان

السَّــأم*

ألان

ألان**

 

حين لا يبقى عند الرجل من شيء يبنيه أو يهدمه، تراه يغدو شديد التعاسة. أما النساء – وأقصد المشغولات منهنَّ بأعمال المنزل وبالعناية بالأطفال – فأغلب الظن أنهنَّ لن يفهمن أبدًا تمام الفهم لماذا يذهب الرجال إلى المقهى ويلهون بالكوتشينة. العيش مع النفس والتأمل في النفس لا قيمة لهما.

في رواية ڤلهلم مايستر البديعة لگوته[1]، ورد ذكر “جمعية زاهدين” تحرِّم على أعضائها التفكير في المستقبل وفي الماضي. هذه القاعدة، بقدر ما يُستطاع التقيُّدُ بها، قاعدة حسنة جدًّا. ولكنْ، حتى يُستطاع التقيُّدُ بها، لا مناص للأيدي وللعيون من أن تكون مشغولة. فالإدراك والعمل هما العلاجان الحقيقيان. على العكس، إذا قعد المرء عن العمل سرعان ما يقع فريسة التخوف والتحسُّر. التفكير ضرب من اللهو ليس صحيًّا للغاية دومًا؛ فبوجه العموم، يدور المرء في مكانه من غير أن يتقدم. لذا كتب جان-جاك الكبير[2]: “امرؤ يتأمل حيوان منحط.”

Continue reading

حسن الظن – ألان

حسن الظن*

ألان

ألان**

 

“ما أصعب الرضا عن أحدهم!” من شأن مقولة لابرويار[1] الصارمة هذه أن تجعلنا سلفًا نلزم جانب الحيطة. إذ إن الحسَّ السليم يقضي بأن يتكيف كل واحد مع الشروط الواقعية للحياة في المجتمع، وليس من العدل في شيء إدانة الإنسان المتوسط؛ فذلك من قبيل جنون كاره البشر. وإذن، فمن غير أن أفتش عن الأسباب، تراني أتحاشى النظر إلى أشباهي وكأني مُشاهِدٌ دفع ثمن مكان جلوسه ويريد أن يرى من الآخرين ما يسرُّه. بل على العكس، إذ أسترجع في نفسي مألوف هذا الوجود الصعب، أجدني أتوقع سلفًا من كل شيء أسوأه؛ أفترض أن مُحادِثي يعاني معدة سقيمة أو صداعًا، أو ربما همومًا مالية أو خلافات بيتية. سماء مريبة هي سماء آذار، أقول لنفسي، يختلط فيها الرمادي والأزرق، ومضات الشمس وهبَّات الشمال اللاذعة؛ فأحتاط لنفسي بفرائي ومظلَّتي.

Continue reading