صداقة – ألان

صـداقـة*

ألان

ألان**

 

في الصداقة أفراح رائعة. نفهم ذلك من غير عناء إذا ما لحظنا أن الفرح يسري. حَسْب حضوري أن يوفِّر لصديقي القليل من الفرح الحق حتى يجعلني مشهدُ فرحته هذه أشعر بدوري بفرحة. وبذا فإن كلَّ واحد يستردُّ الفرحَ الذي يبذله، وفي الوقت نفسه، يُطلَقُ سراحُ كنوز من الفرح، وكلاهما يقول للآخر: “كانت بي سعادة لم أكن أفعل بها شيئًا.”

ينبوع الفرح في الداخل، أقرُّ بذلك؛ ولا شيء محزن أكثر من رؤية أناس ساخطين على أنفسهم وعلى كل شيء، يدغدغون بعضهم بعضًا ليتضاحكوا. لكنْ لا بدَّ من القول أيضًا إن الإنسان المسرور، إذا كان وحده، سرعان ما ينسى أنه مسرور؛ فرحُه كلُّه سرعان ما يخمد، فينتهي به الأمر إلى نوع من البلادة يكاد أن ينعدم فيها الحس. الشعور الداخلي بحاجة إلى حركات خارجية. إذا اتفق لأحد الطغاة أن يسجنني لكي يعلِّمني احترام السلاطين لاتخذت لنفسي قاعدةً للصحة أن أضحك وحدي كل يوم، ولخصَّصت لفرحي من الرياضة ما أخصِّص لساقيَّ.

هاكم حزمة من الأغصان اليابسة. إنها جامدة في الظاهر كالتراب؛ وإذا تركتموها هناك صارت ترابًا. غير أن توقُّدًا خفيًّا يكمن فيها قد استمدتْه من الشمس. قرِّبوا منها أصغر لهب وسرعان ما تحصلون على أجيج نار زافرة. كان يكفي هزُّ الباب فقط لإيقاظ السجين.

هكذا لا بدَّ من نوع من الشروع في العمل لإيقاظ الفرح. حين يضحك الرضيع للمرة الأولى فإن ضحكته لا تعبِّر عن شيء البتة؛ إنه لا يضحك لأنه سعيد؛ أقول بالأحرى إنه سعيد لأنه يضحك؛ الضحك يلذ له كما يلذ له الأكل، لكنه يجب أن يأكل أولاً. لكن هذا لا يصح على الضحك وحسب؛ فالمرء بحاجة إلى الكلام أيضًا لكي يعرف ما يفكِّر فيه. مادام المرء وحده ليس بوسعه أن يكون نفسه. المغفَّلون من فقهاء الأخلاق يقولون بأن المحبة هي نسيان النفس: نظرة مغالية في السذاجة. كلما خرج المرء من نفسه أكثر كان نفسَه أكثر، وشعر بنفسه حيًّا أكثر أيضًا. لا تتركْ حطبك يتعفَّن في قبوك.

27 كانون الأول 1907


* Alain, « Amitié », in Propos sur le bonheur (1928), Gallimard, coll. « Idées », 1964, pp. 193-194.

** لقب أستاذ الفلسفة الفرنسي إميل شارتييه (1868-1951). كاتب مقالة لامع، تفصح مقالاته القصار – وهي جنس أدبي-فلسفي برع فيه – عن مذهب إنساني روحي تتخلَّله السخرية الرفيعة والملاحظة الدقيقة. قال بضرورة مزاولة الفيلسوف العملَ اليدوي وبضرورة اطِّلاعه على العلوم حتى لا تفارق الفلسفةُ الحياةَ العملية، كما أدان الحرب بكل أشكالها. قيل إن مقالاته في السعادة أنقذت قرَّاء عديدين من اليأس.