كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

ملحوظات في اللذة والألم – ديمتري أڤييرينوس

ملحوظات في اللذَّة والألم

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

ليست الحياة دومًا بستان ورود – هيهات! الحياة، في كثير من الأحيان، طريق شاقَّة وعرة، يدمى فيها القلبُ قبل أن تدمى القدمان. فعلى الرغم من خيرة نوايانا وخططنا، ترى الحياة تخبِّئ لنا مفاجآت: بعضها سارٌّ – وهذه هي اللحظات اللذيذة والذكريات البهيجة؛ وبعضها الآخر غير ذلك – وهذه تتراوح بين المصاعب المقبولة وغير المؤذية وبين المصائب الشديدة والصدمات المأسوية الرهيبة. ونحن مثلما نتعطَّش إلى اللذة، نطلبها، نطاردها، كذلك نخشى المِحَنَ من كلِّ صنف، ننفر منها ونتهرَّب، حتى إننا كثيرًا ما نتوجَّس من مجرَّد فكرة الألم والمأساة – وهذا طبيعي. وبما أنه طبيعي، فهو كذلك علامة صحَّة نفسية وذهنية سوية. مع ذلك، هل هذا التعطُّش إلى اللذة وهذا النفور من الألم مناسبان للتصدِّي لتحدِّيات الحياة؟ هل نحن مسلَّحون، بمجرَّد سباحتنا مع تيار الإشراط الطبيعي، لمواجهة صدمة المأساة؟

Continue reading

في الحب – ألفرد ر. أوراج

رسالة في الحب*
(نقلاً عن اللسان التيبتي بتصرف)

أ.ر. أوراج

ألفرد ر. أوراج**

 

عليكم أن تتعلَّموا التمييز بين ثلاثة أنواع من الحب على الأقل (مع أن هناك سبعة منها إجمالاً): الحب الغريزي، والحب العاطفي، والحب الواعي. لا خوف عليكم كثيرًا من عدم التمكن من تعلُّم النوعين الأولين، لكن النوع الثالث نادر ويتوقف على كلا الجهد والفطنة على حدٍّ سواء. أساس الحب الغريزي هو الكيمياء. البيولوجيا كلُّها كيمياء، أو لعلنا يجب أن نقول الخيمياء؛ وتوافقات الحب الغريزي، متجلِّيةً في التجاذبات والتنافرات والتراكيب الآلية والكيميائية التي نسمِّيها الحبَّ والمغازلة والزواج والأولاد والأسرة، ما هي إلا المكافئات البشرية لمختبَر الكيميائي. ولكن مَن الكيميائي هنا؟ إننا ندعوه الطبيعة. ولكن مَن هي الطبيعة؟ ترانا لا نحدس ماهيَّتها بأكثر مما يحدس الكافور الذي يطعِّم البَنْيان[1] وجود بستاني. مع ذلك، يوجد بستاني. لمَّا كان الحب الغريزي كيميائيًّا فهو في مثل قوة المواد والخواص التي هو تجلٍّ لها ويدوم بدوامها. … وهذه لا يعرفها ويقيسها إلا مَن يفهم السيرورة الخيميائية التي ندعوها الوراثة. لَحَظَ كثيرون أن الزيجات السعيدة أو التعيسة وراثية؛ وكذلك أيضًا هو عدد الأبناء وجنسهم وطول عمرهم إلخ. وعلم النجوم المزعوم ليس غير علم الوراثة – حين يكون علمًا – ممتدًّا على فترات طويلة.

Continue reading

Αγάπη δίχως μέτρο – ديمتري أڤييرينوس

محبَّة بلا مقياس

 

ديمتري أڤييرينوس

 

إلى ندره اليازجي، معلِّمي

 

هل بوسعك أن تلامس قلبًا اعترتْه الظلمة في جَوَّاه؟ هل بوسعك أن تحبَّه بما يكفي للسماح له بأن يرتمي بين ذراعيك؟ هل بوسعك أن تكون مكشوفًا تمامًا، غير متراصٍّ، مخلخل الأوصال، شاعرًا بضياع لا يطاق، بينما حكمة تفتُّحه الداخلي تتكشف لكما عن جوهرها العميق؟ هل يجرؤ قلبك أن يكون مساحة يمكن للمشاعر والانفعالات التي كُبتت في الأغوار القصية لذاك الإنسان طوال عمر كامل أن تعتمل فيها؟

Continue reading

موقف ألبير كامو من اللاعنف – جان-ماري مولر

نظرة كامو الملتبسة إلى اللاعنف

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

تَرِدُ فكرةُ اللاعنف مرارًا في تأمُّلات ألبير كامو في القتل. ومن اللافت للنظر أن خصومه كثيرًا ما أخذوا عليه هروبَه إلى مثالية اللاعنف، في حين أنه لم يدَّعِه قط. ففي سنة 1961، جاءت المقدمة التي عَقَدَها جان-پول سارتر على كتاب فرانتز فانون معذَّبو الأرض[1] دفاعًا عن عنف الشعوب المستعمَرة، وفيها قَصَدَ عبر تهكُّمه اللاذع أن يصارح “اللاعنفيين” برأيه فيهم: “ما أشد سذاجة اللاعنفيين: لا ضحايا ولا جلادون! لنكن جِدِّيين!” التلميح إلى كامو واضح، والإشارة إلى نصِّه الذي بعنوان لا ضحايا ولا جلادون تدلُّ دلالةً واضحةً أنه المقصود قبل غيره.

Continue reading

في العالم… لكن ليس من العالم – ديمتري أڤييرينوس

في العالم… لكنْ ليس من العالم

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

إني بلَّغتُهم كلمتك فأبغضهم العالم، لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست
من العالم. لا أسألك أن تُخرِجَهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير.
إنجيل يوحنا 17: 14-15

 

في أكثر من لقاء مع أستاذنا ندره اليازجي مؤخرًا شدَّد – كعادته حين يتطرَّق إلى فلسفته الأخلاقية – على وجوب “تطبيق أنبل المبادئ في أدنى العوالم على سلَّم الوجود وأكثفها وأصعبها”، مكرِّرًا عبارة “أن نكون في العالم دون أن نكون منه“. فإذا قلبنا مدلول كلٍّ من حرفَي الجر في عبارة الأستاذ اليازجي العميقة نجد أنهم قلة بين الناس، على ما يبدو، مَن يفقهون معنى أن يكون الإنسان جزءًا لا يتجزأ من العالم بالمعنى الروحي للعبارة، لا بالمعنى “الانتمائي” الدنيوي السائد، في حين أن سواهم منخرطون في العالم، غارقون فيه، شأنهم شأن الغريق في مستنقع وحل، لا يعي ما يجري عليه.

Continue reading

في معنى الحياة والموت – ديمتري أڤييرينوس

حـيـاة… مــوت…

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

الحياة طاقة تتجلَّى في ما لا يُحصى عديدُه من الأشكال والبنى المتنوعة، وتختص بالقدرة على تَعْضِيَة organizing المادة (= منحها الخاصية العضوية). وحين تنسحب طاقة الحياة يتوقف التعضِّي organization وتأخذ البنية التي كانت تلك الطاقة تسري عبرها في التحلُّل – هذا ما يسمِّيه الناس الموت.

Continue reading

كانط: فيلسوف كرامة الإنسانية – جان-ماري مولر

عمانوئيل كانط
فيلسوف كرامة الإنسانية

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

في التوطئة التي عقدها عمانوئيل كانط على كتابه عقيدة الحق طرح الفيلسوف “مسألة معرفة إنْ كان من الممكن فعلاً وجودُ أكثر من فلسفة“. لا مناص، أولاً، من ملاحظة أنه قد وُجِدَتْ طُرُقٌ عديدةٌ للتفلسف، وأن هذه الطرق متنوعة وغالبًا متناقضة، وأنه كان لا بدَّ للأمر من أن يكون كذلك لأن كلَّ واحدة من هذه الطرق “ذات جدارة”. لكنه يؤكد أنه لمَّا كان لا يمكن أن يوجد “إلا عقل إنساني واحد فقط فليس من الممكن لفلسفات عديدة أن توجد”[1]. ذلك أن من قبيل التناقض بالفعل القبولَ بإمكان وجود فلسفتين صحيحتين تتناولان الموضوعات نفسها.

Continue reading