أرشيف التصنيف: ج. كريشنامورتي

أن نكون لاشيء – ج. كريشنامورتي

أن نكون لاشيء*

كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا في عيد ميلاده الخامس والثمانين

ج. كريشنامورتي

 

كُنْ متيقِّظًا لجمال كلِّ يوم، كلِّ صباح جديد، لأعجوبة العالم. إنه لَعالمٌ رائع، ونحن مابرحنا ندمِّره، في علاقة بعضنا مع بعضنا الآخر وفي علاقتنا بالطبيعة، بأشياء هذه الأرض الحية كافة.

*

هلا تقصَّينا ماهية مخٍّ صامت؟ تراك لا تتعلَّم، لا ترصد، إلا عبر صمت عظيم، لا وأنت تُحدِث الكثير من الضجيج. فحتى ترصد تلك التلال، وهذه الأشجار الجميلة، حتى ترصد أسرتك وأصدقاءك، لا بدَّ لك من فضاء ولا بدَّ من وجود صمت. أما إذا كنت تهذر، تثرثر، فلا فضاء لديك ولا صمت. ونحن بحاجة إلى فضاء، ليس فيزيائيًّا وحسب، بل نفسانيًّا أكثر بكثير. وذاك الفضاء ينتفي عندما نفكر في أنفسنا. الأمر شديد البساطة. إذ إنه حين يوجد فضاءٌ – فضاءٌ شاسعٌ نفسانيًّا – توجد حيوية عظيمة. ولكنْ عندما يحدُّ المرءُ ذاك الفضاء بذاته الصغيرة فإن تلك الطاقة الهائلة تُحتجَز كليًّا ضمن حدودها. ولهذا السبب فإن التأمل هو إنهاء الذاتية.

Continue reading

ما هي الحُرْمَة؟ – ج. كريشنامورتي

عن الموروث والقُدْسيَّة*

ج. كريشنامورتي 

ج. كريشنامورتي

 

[…] وأنتم تعلمون أن الماضي هو اللاوعي. أتدري ما هو اللاوعي؟ لا ترجعْ إلى فرويد أو يونگ أو سائر أولئك القوم، بل انظرْ إليه بنفسك واكتشفْ، ليس عبر المذهب التجريبي، بل ارصدْه فعليًّا. الماضي يكمن في موروثك، في الكتب التي قرأتَها، في ميراثك العِرْقي بصفتك هندوسيًّا، بوذيًّا، مسلمًا، مسيحيًّا، إلى آخر ما هنالك، وفي الثقافة التي عشتَ فيها، المعابد، المعتقدات التي انتقلت من جيل إلى جيل. وهذا كله يشكِّل الپروپاگاندا [الدعاية] التي نشأتم عليها وخضعتم لها. أنتم مستعبَدون لپروپاگاندا دامت خمسة آلاف سنة؛ والمسيحي مستعبَد لپروپاگاندا دامت ألفي سنة: هو يؤمن بيسوع المسيح وأنتم تؤمنون بكرشنا، أو أيًّا ما كان الذي تؤمنون به، مثلما يؤمن الشيوعي بشيء آخر. نحن حصيلة الپروپاگاندا. هل تدركون ما يعنيه هذا؟ – [مجرد] كلمات، تأثير الآخرين؛ ومن ثَمَّ ليس هناك من شيء أصيل بتاتًا. ولكي نكتشف أصل أي شيء، يجب أن يكون فينا نظام – نظام لا يمكن له أن يحضر إلا عندما تكفُّ الفوضى التي تعيث في النفس. إذ إننا جميعًا، على الأقل أولئك الذين يتَّصفون حتى بالقليل من الجدية والاهتمام والإخلاص، قد تساءلنا حتمًا إنْ كان ثمة ما هو حَرام أصلاً، ما هو قُدْسي[1]. الجواب، بالطبع، هو أن المعبد أو الكنيسة أو المسجد ليس مقدسًا، ليس حَرَمًا، ولا الصور التي فيه.

Continue reading

الصورة – ج. كريشنامورتي

الصُّـورة*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

كنَّا بصدد استقصاء طبيعة الحب[1]، وقد توصَّلنا إلى نقطة تستلزم، على ما أعتقد، المزيد المزيد من نفاذ النظر، المزيد المزيد من وعي المسألة. ولقد اكتشفنا أن الحب، بنظر أغلب الناس، يعني الراحة، الأمان، ضمانةً طوال بقية العمر للإشباع العاطفي المستمر. ثم يأتي واحد مثلي ويسأل: “هل ذاك حبٌّ حقًّا؟”، ويسألك أن تنظر إلى دخيلة نفسك. فتحاول ألا تنظر لأن الأمر مزعج جدًّا – تراك تفضل مناقشة الروح أو الوضع السياسي أو الاقتصادي الراهن –؛ لكنك، حين تُحشَر في زاوية لتنظر، تدرك أن ما خُيِّل إليك دومًا أنه حبٌّ ليس حبًّا على الإطلاق، بل هو ترضية متبادلة، استغلال متبادل.

Continue reading

الراصد والمرصود… – ج. كريشنامورتي

الراصد والمرصود، الرقيب، الإشراط*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

ترانا ندرك وجود انقسام في الحياة، فيَّ، فيك. الـ”أنت” والـ”أنا” عبارة عن أجزاء عديدة. الذات مركَّبة من العديد من الأجزاء. أحد الأجزاء هو الراصد وبقية الأجزاء هي المرصود. الراصد يصير واعيًا بالأجزاء، لكن الراصد أيضًا واحد من الأجزاء؛ إنه ليس مختلفًا عن بقية الأجزاء. لذا يجب عليك أن تكتشف ما هو الراصد، المختبِر، المفكِّر: ممَّ هو مكوَّن؟ وكيف يحدث هذا الانقسام بين الراصد والمرصود؟ الراصد، نقول، هو واحد من الأجزاء. فلماذا فصل نفسه، فتولَّى صفةَ المحلِّل الذي يعي، القادر أن يسيطر، يغيِّر، يكبت، إلى آخر ما هنالك. الراصد هو الرقيب… حاصل الإشراطات الاجتماعية والبيئية والدينية والثقافية. أي أن الانقسامات الثقافية قررت أنك مختلف عن الشيء الذي ترصده… أنت “الذات العليا” وتلك هي “الذات الدنيا”، أنت المستنير وتلك هي غير المستنيرة. فما الذي خوَّلَه سلطةَ أن يدعو نفسه “مستنيرًا”؟ ألأنه صار الرقيب؟ والرقيب يقول: “هذا صواب، هذا خطأ، هذا جيد، هذا سيء، يجب أن أفعل هذا، يجب ألا أفعل ذاك” – وهي حصيلة هذا الإشراط، إشراط المجتمع، إشراط الثقافة والدِّين والأسرة، إشراط العِرْق بأسره، إلى آخر ما هنالك.

Continue reading

أرضنا الرائعة! – ج. كريشنامورتي

رائعة هذه الأرض!
من كريشنامورتي لنفسه
*

ج. كريشنامورتي

26 نيسان [1983]

رأى المرء طائرًا يموت، وقد أطلق رجلٌ عليه النار. كان يطير طيرانًا جميلاً، يضرب بجناحيه ضرباتٍ موقَّعةً، بكل حرية وعدم خوف، حتى اخترقه رصاصُ البندقية، فسقط على الأرض وقد فارقته الحياة. ثم جلبه كلب، وراح الرجل يجمع طيورًا ميتة أخرى. كان يهذر مع صديقه، وبدا أنه عديم الاكتراث تمامًا؛ كل ما يشغل باله كان إسقاط أكبر عدد ممكن من الطيور، والأمر فيما يخصُّه ينتهي عند هذا الحد. إنهم يقتلون في أنحاء العالم كلِّها: تلك الحيوانات البحرية العظيمة الرائعة – الحيتان – تُقتَل بالملايين، والنمر وغيره كثير من الحيوانات باتت الآن أنواعًا مهددة بالانقراض. الإنسان وحده هو الحيوان الذي لا يؤمَن له جانب!

Continue reading

الخروج على بنية المجتمع – ج. كريشنامورتي

الخروج على بنية المجتمع*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

حينما يرصد المرء ما يحدث في العالم، الشواش والبلبلة وتوحُّش الإنسان بالإنسان الذي لم يقوَ أي دين أو نظام اجتماعي – أو ربما فوضى اجتماعية! – على الحيلولة دونه، حينما يرصد نشاطات رجال السياسة والاقتصاد والمصلحين الاجتماعيين في العالم أجمع، يرى بأنهم جلبوا المزيد المزيد من البلبلة، المزيد المزيد من البؤس. الأديان، أي المعتقدات المنظَّمة، قطعًا لم تساعد من أي وجه على جلب النظام والسعادة العميقة المقيمة للإنسان. ولا اليوطوپيات، سواء الشيوعية أو تلك المجموعات الأقلية التي شكلت جماعات، أفلحت في جلب أي وضوح عميق دائم للإنسان. ويحتاج المرء إلى ثورة هائلة في العالم أجمع؛ فحصول تغيير عظيم أمر ضروري. ونحن لا نعني بذلك ثورة خارجية، بل ثورة داخلية على المستوى النفسي، أضحت بوضوح الأمل الأوحد، الخلاص الأوحد – إذا جاز لنا أن نستعمل هذه الكلمة – للإنسان.

Continue reading

القتل – ج. كريشنامورتي

القـتـل*

ج. كريشنامورتي 

ج. كريشنامورتي

 

كانت الطائرة مزدحمة، تطير على ارتفاع نيِّف وعشرين ألف قدم فوق الأطلسي، وسجادةٌ كثيفةٌ من السحب تحتها. السماء من فوق شديدة الزرقة، والشمس خلفنا، ونحن نطير باتجاه الغرب رأسًا. كان الأطفال قد لعبوا، متراكضين جيئةً وذهابًا على طول الممشى، والآن، بعد أن نفدت قواهم، كانوا نائمين. بعد الليلة الطويلة، كان جميع الآخرين أيقاظًا، يدخنون ويشربون. أمامنا رجل يحدِّث آخر عن مهنته، وعلى المقعد خلفنا امرأة تصف مشترياتها بصوت مسرور وتخمِّن مبلغ الرسم الذي يجب عليها دفعه. على ذلك الارتفاع، كان الطيران سلسًا، من غير مطبَّات، مع أن رياحًا عاتية تهبُّ تحتنا. كان جناحا الطائرة يلتمعان في ضياء الشمس الصافي، والمَراوح تدور دورانًا سلسًا، قاضمةً الهواء في سرعة خيالية؛ الريح كانت خلفنا، وسرعتنا تزيد على الثلاثمئة ميل في الساعة.

Continue reading