حكيم المغرب والمشرق – ديمتري أڤييرينوس

حكيم المغرب والمشرق

مقدمة موجزة لدراسة حياة الشيخ الأكبر ومذهبه

ديمتري أڤييرينوس

ابن العربي (560-638 هـ/1165-1240 م) ذروة عالية من ذروات التصوف في الإسلام، بل التصوف في العالم قاطبة. ولد في مرسية وتوفي في دمشق: وفي مجرد هاتين الواقعتين الجغرافيتين إشارة إلى تلك السيرورة الغنية وإلى ذلك القَدَر المركَّب اللذين تخللا التأهيل والسلوك الروحيين اللذين كابدهما ذلك الرجل الاستثنائي بين الأندلس والولايات الشرقية للعالم الإسلامي آنذاك.

كان ابن عربي، كما يبين اسمه الكامل: أبو بكر محمد بن العربي (المختصر عادة إلى "ابن عربي") الحاتمي الطائي، بصفته ينتسب إلى قبيلة طي، عربيًّا قحًّا. وقد كان في بدو شأنه متقيدًا بالشريعة والسنَّة، لكن ميله الفطري إلى التصوف وطبيعة سلوكه الروحي قرباه إلى حدٍّ كبير من النمط الشرقي، الفارسي تخصيصًا، من الروحانية، ألا وهو التشيع، على حدِّ ما يذهب إليه الأستاذ هنري كوربان. فمع أنه لم يتشيع رسميًّا قط وظل على مذهب أهل السنَّة حتى وافتْه المنية، فإن العقيدة التي استكمل بناء أركانها بالتوازي مع نضجه العقلي-الصوفي، استنادًا إلى خبراته الرؤيوية الخارقة في عالم المثال[1]، كانت شديدة التساوق مع روحية الإسلام الشيعي الفارسي؛ ودليلنا على ذلك أن ابن عربي وجد العدد الأكبر من مريديه وخلفائه في إيران الشيعية وبين أبناء الطائفة الباطنية الإسماعيلية. وإلى اليوم، تشكِّل إلهيات ابن عربي، إلى جانب – أو بالتآلف مع – إلهيات السهروردي المقتول ("شيخ الإشراق")، أساس النظر العقلي، الحِكَمي-العرفاني، لطالبي المعرفة المسلمين الفرس. والحق أن لقبه "محيي الدين" يتألق بقوته الحية عندما يُنظر إليه بمقتضى الدور الذي لعبه في صيرورة التكوُّن التاريخي للإسلام الإيراني. كذلك فإن لقبه الشهير الآخر – "الشيخ الأكبر"[2] – يقدِّم ابن عربي بوصفه من أقطاب مشايخ الصوفية، إنْ في الروحانية السنِّية أو في الروحانية الشيعية على حدٍّ سواء.

إن ابن عربي، عبر العمق الفريد لخبرته الصوفية، المتميِّزة بوفرة من الصور "العينية" archetypal، وأسلوبه العويص في عرض مذهبه، ولغته المبهمة عن قصد، هو من الصوفية الذين لا تذعن مذاهبهم لأي عرض مبسط. لذا فإن المقاربة المدرسية المعتادة بطريق العرض المنهجي (الحياة، الأعمال، الأفكار) تكاد تكون هنا بلا طائل يُذكَر، من حيث إنها تختزل بحرًا خضمًّا إلى سبخة راكدة. إن كل واقعة من وقائع حياة الشيخ الأكبر الخارجية تتصف بقيمة رمزية تحيل إلى جانب معين من جوانب خبرته الصوفية أو الرؤيوية؛ وبالمثل، فإن كل جانب من جوانب تلك الخبرة مترع بالمعاني الروحية الباطنة. ومنه فإن هذه العناصر كافة تندرج في كلٍّ عضوي واحد متماسك؛ ومن ثَمَّ فلن نتمكن في هذا المقام إلا من تقديم نبذة موجزة عن حياة ابن عربي الخارجية-الداخلية، وذلك بتقسيمها تعسفيًّا إلى ثلاث مراحل كبرى:

  1. التأهيل العقلي-الروحي في الأندلس؛
  2. خبرة الحب في أثناء طوافه حول الكعبة؛ و
  3. مرحلة النضج الصوفي-الميتافيزيقي.

1. الأيام الأولى في الأندلس

تلقى ابن عربي تعليمه الإسلامي المبكر في ذلك المركز العقلي والروحي الكبير الذي كانتْه إشبيلية التي وفد إليها، وعمره آنذاك لا يتجاوز الثماني سنين، وأقام فيها نحو ثلاثين سنة. وهناك كرس نفسه، على بعض أكابر علماء المدينة، لدراسة العلوم النقلية: القرآن، الحديث، فقه الشريعة، الكلام، والفلسفة. وقد كانت إشبيلية أيضًا من أهم مراكز التصوف، يقيم فيها عدد من مشاهير مشايخ الصوفية. وهكذا فقد انجذب ابن عربي انجذابًا جدَّ طبيعي إلى سلوكهم ورياضاتهم الروحية وتعاليمهم. ولدى بلوغه العشرين، كان مكتمل الإدراك لطبيعة "بعثته" الروحية الفريدة، وشرع في سلوك طريق الصوفية سلوكًا لا رجعة عنه.

ومما يستلفت النظر بصفة خاصة، بهذا الصدد، لقاؤه مع الولية الشيخة فاطمة القرطبية التي ظهرت له في رؤيا محاطةً بهالة سماوية. كان يشعُّ من شخصها باستمرار جوٌّ من الجمال الباهر، بحيث كانت تترك في ناظرها انطباعًا بأنها لم تتخطَّ عقدها الثاني، على ما يروي ابن عربي؛ فكلما مَثُلَ الفتى محمد بين يديها تعذَّر عليه ألا تحمرَّ وجنتاه حياءً في حضرتها. وقد قالت له فاطمة: "أنا أمُّك الإلهية"، معترفةً به ابنًا روحيًّا؛ وبذلك، بصفته واحدًا من مريديها المقربين، بويِع بأول أسرار الطريقة. وإنه لذو مغزى أن مبايعته بطريقة التصوف تمت عبر خبرة حبٍّ روحي من هذا المستوى؛ إذ إن أولى خبرات محيي الدين في الحب تدل سلفًا على إلهيات المحبة التي بسطها فيما بعد في مكة طائفًا حول الكعبة الشريفة.

كان ابن عربي لا يزال فتى أمرد حين اعتنق حياة الدَرْوَشة، وطفق يقوم بسياحات طويلة في إسبانيا وشمال أفريقيا – قرطبة، ألمرية، تونس، فاس، مراكش – حيث اجتمع بكبار مشايخ التصوف فيها. وتجدر الإشارة خصوصًا إلى زيارته لقرطبة، حيث كان بينه وبين ابن رشد، الفيلسوف المشائي الكبير، ممثِّل التيار الأرسطي الصحيح في الفلسفة الإسلامية، لقاء عجيب. فالمقابلة التي حصلت بينهما (بمبادرة من ابن رشد) كانت حاسمة الأهمية لكلا الصوفي الشاب والفيلسوف الكهل، من حيث إنها ألقت الضوء على أوجُه الائتلاف والاختلاف بين طريق النظر العقلي-المنطقي وبين طريق الخيال العرفاني، مما كان لا بدَّ له أن يؤدي إلى انشعاب الفكر الإسلامي برمته فيما بعد[3]. زدْ على ذلك أن واقعة أنه كانت للصوفي الرائي اليدُ الطولى على الفيلسوف النظري في تلك الحادثة، تاركًا الأخير في النهاية مُفحَمًا حائرًا، تجيز لنا وضع إصبعنا بدقة على الفيصل بين مذهب ابن عربي وبين خبرة الصوفية، فيتبين لنا كيف يرتبط التصوف كحياة والمذهب المعبِّر عنه واحدهما بالآخر في الإدراك الروحي: فالأمر لم يكن مجرَّد غلبة التصوف على الفلسفة؛ إذ إن خبرات ابن عربي الصوفية الرؤيوية كانت وثيقة الصلة إلى حدٍّ كبير بنظر عقلي بالغ الدقة، متكئة عليه ومدعِّمة له على حدٍّ سواء. فابن عربي صوفي كان، في الآن نفسه، معلِّمًا حقيقيًّا في الفلسفة، في شقيها المشائي والأفلاطوني، بحيث إنه استطاع – أو بالحري كان لا بدَّ له – أن ينظِّر لخبراته الروحية في مذهب كلِّي يشمل الكون بأسره، كما سوف نحاول أن نبين في إيجاز، ولاسيما فيما يتعلق ببنيان إلهياته في وحدة الوجود التي ستكون لنا عودة إليها في سياق المقال.

2. الطواف حول الكعبة

فيما كان ابن عربي يدنو من منتصف العقد الثالث من عمره قرَّ رأيه على مغادرة مسقط رأسه إلى الأبد. وقد حضَّه جزئيًّا على اتخاذ هذا القرار الوضع الديني-السياسي المضطرب في المغرب الإسلامي (الأندلس وشمال أفريقيا)، حيث لم يدعْ تزمتُ العلماء و"فقهاء الرسوم" وتعصبُهم أي مجال لانبساط منظور لاهوتي جديد، ولكن على الأخص بسبب رؤيا رآها في العام 1198 في مرسية، حيث أمره طائر يطير حول العرش الإلهي المحمول على أعمدة من نور بشدِّ الرِّحال من فوره نحو مشرق العالم الإسلامي. وبذلك بدأ الطور الثاني من حياته الخارجية-الداخلية الممتد من العام 1200 حتى 1223: 23 سنة من التجوال في الشرق الأدنى، حتى استقراره أخيرًا في دمشق.

في العام 1201 – وكان له من العمر يومذاك 36 سنة – زار ابن عربي للمرة الأولى مكة المكرمة، وفيها نزل ضيفًا على أسرة فارسية أصفهانية شريفة. ولقد كان ربُّ الأسرة نفسه شيخًا صوفيًّا هاجر من إيران إلى الحجاز وشغل منصبًا رفيعًا في مكة. وبحسب رواية ابن عربي نفسه، كانت لهذا الشيخ الفارسي بنت اسمها نظام، لقبها "عين الشمس والبهاء"، فتاة باهرة الجمال، ذات باع عقلي كبير وخبرة روحية عميقة؛ وسِحْرُ لَحْظِها، وحلاوة منطقها، وتواضع هيئتها اللطيف، كما يقول، كانت من العظمة بحيث إن حضورها كان يفتن كل مَن يجالسها. وهكذا وقع ابن عربي في حبِّها من فوره. وقد عبَّرت نفسه المفتونة عن هذه الخبرة في ديوانه الشهير ترجمان الأشواق.

يبدو ترجمان الأشواق من حيث الظاهر – أي لدى قراءته قراءة سطحية – وكأنه مجموعة قصائد غزل عادية مفعمة بصور عشقية دنيوية. والواقع أن غالبية العلماء والفقهاء فهموه على هذا النحو؛ وهو أمر أتاح لمن كانوا دومًا في ارتياب من صحة تعاليم ابن عربي إسلاميًّا ذريعة لرميه بالفساد الأخلاقي. لكن هؤلاء، باتخاذهم، هذا الموقف من قصائد الديوان، فضحوا جهلهم بأن صورة الفتاة الفارسية الجميلة نظام، إذ ترتقي من عالم الأجسام إلى البُعد الرؤيوي أو "الخيالي" للوعي، تتحول إلى تجسيد عيني للـ"أنثى الأزلية"، فتصبح صورة متجلِّية للحكمة الخالدة Sophia æterna، بما يشبه بياتريتشه، حبيبة دانتي في الكوميديا الإلهية. والديوان كلُّه، بهذه المثابة، هو التعبير الغزلي لإنسان مُسارَر بـ"دين الحب"، أو بما يدعوه هنري كوربان البُعد "الحِكَمي" sophianique للحب.

وبقصد توضيح هذه المسألة، كتب ابن عربي نفسه شرحًا مستفيضًا على الترجمان. وهذا المصنف ذو أهمية باطنية قصوى، من حيث إنه يلقي ضوءًا على واحد من المبادئ الأساسية الحاسمة في تعاليم ابن عربي: التأويل، الذي يعني حرفيًّا "إرجاع الشيء إلى أوَّله"[4]. وهو يشير، اصطلاحًا، إلى طريقة معينة لتعليل شيء – مهما كان المرئي منه على السطح، وسواء كان نصًّا كاملاً أو مقطعًا أو عبارة أو حتى كلمة واحدة – بالرجوع إلى معناه "الخام"، غير المرئي على السطح.

يُفهَم من ذلك أن استعمال التأويل لم يكن، من أي وجه من الوجوه، مقتصرًا على شرح قصيدة غزلية، بل على العكس: إذ بعدما يرسخ المبدأ، كان يتيح منهاجًا تفسيريًّا ذا تطبيق واسع مرن لجميع المهتمين باستنباط المعاني الباطنة المكنونة في أعماق نصٍّ بعينه. ولقد استعمل ابن عربي هذا المنهاج في تأويل القرآن الكريم والحديث الشريف. والواقع أن التعاليم التي صاغها ابن عربي في النصف الثاني من حياته تُعتبَر ثمرة تطبيق مبدأ التأويل على القرآن والحديث اللذين كان يستنبط معانيهما الباطنة في ضوء خبراته الرؤيوية.

ولقد توارث مبدأ التأويل عدد من مشايخ الصوفية والعارفين الكبار في العصور اللاحقة. ففي التشيُّع، احتل التأويل المنزلة الأرفع في التأمل الفلسفي، بحيث إنه أصبح سمة نوعية للبنيان العقلي الشيعي برمته وخاصية من خاصياته الأساسية.

على أنه لا بدَّ لنا من أن نشير هاهنا إلى أن التأويل لم يكن عند ابن عربي مجرد مسألة تفسير لغوي، لفظي، بل كان يتسم بمغزى أونطولوجي: فعنده أن كل ما هو موجود في عالم الحس يستر في أعماقه الأونطولوجية حقيقة باطنة، الأمر الذي يعني أن كل ما في الوجود تجلٍّ خاص. بعبارة أخرى، فإن كل شيء صورة ظاهرة يتجلَّى عبرها الحق غير المرئي؛ وعالم الوجود الخارجي ("عالم الشهادة") ليس على الحقيقة إلا صورة ظاهرة على السلَّم الكوني لعالم الغيب، يتجلَّى من خلالها الحق برهةً باسمه "الباطن" عبر صور لا نهاية لها من التعيُّنات.

3. نضج التعاليم

يُنسَب إلى ابن عربي عددٌ ضخم من المؤلفات (200 ونيف على الأقل)، تتراوح بين المقالات القِصار والرسائل التي لا تتجاوز بضع صفحات وبين المصنفات الضخمة التي تضم آلاف الصفحات. وبين مؤلفاته يُعتبَر اثنان منها بخاصة جليلان بحق، إذ يشتملان على تعاليمه على أكمل وجه (وثانيهما خلاصة للأول): الفتوحات المكية وفصوص الحِكَم.

رُسِمَت الخطوط العريضة للـفتوحات وبدئ بتدوينه بمناسبة زيارته الأولى لمكة في العام 1201، وانتُهيَ من وضعه في دمشق بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عامًا في العام 1237. والفتوحات، الذي كثيرًا ما أطلق المستشرقون عليه تسمية "إنجيل باطن الإسلام"، عبارة عن موسوعة للتصوف بحق، تتناول – وإنْ بغير ترتيب منهجي – نظريات في الإلهيات والكونيات، وخبرات صوفية، وعلومًا باطنية متنوعة، ورؤى وتأملات، ناهيكم عن الفقه الشرعي.

غير أن زبدة تعاليمه في الإلهيات، قولاً واحدًا، مكنونة في الفصوص الذي ألَّفه في العام 1229 قبل وفاته بعشر سنين؛ وهو مصنف صغير بالقياس إلى الفتوحات، لكنه واسع بما لا يقاس في مبناه ومعانيه: ففيه نجد نظرية ابن عربي في النبوة، حيث يوصَف كلُّ نبي، ورد ذكرُه في القرآن أم لم يَردْ، بدءًا من آدم، في علاقاته بالأسماء والصفات الإلهية التي يختص بها، ويظهر في "مقامه" الروحي الفريد. وفي آخر سلسلة الأنبياء نجد نبي الإسلام الذي يؤول ابن عربي شخصيته في ضوء الحديث: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وجعلت قرة عيني الصلاة". وإن سلسلة الشروح على الفصوص التي كتبها مريدوه وأتباعه تشكِّل تاريخًا للحكمة في حدِّ ذاتها[5]. والعرض الموجز التالي لأسس تعاليمه مستمَد أساسًا من الفصوص.

التأويل

يحتل ابن عربي في تاريخ التصوف منزلة إمام مذهب ما يُعرَف اصطلاحًا بـوحدة الوجود. و"وحدة الوجود" موقف صوفي محدَّد هو نتاج للتطبيق الأونطولوجي لمبدأ "التأويل" السابق ذكره من خلال الخبرة الصوفية. والتأويل، كما ألمعنا، يبدأ كمنهاج في التفسير اللفظي، يذهب من ظاهر تعبير لغوي متوغلاً إلى باطن معناه؛ وهو، إذ يُطبَّق أونطولوجيًّا، يشي بكونه منهاج عرفان إلهي ينطلق من ظاهر الأشياء إلى باطنها. والتأويل الأونطولوجي للبنيان الباطن للوجود يتم عبر سلوك الصوفي سلسلةً من مراحل الخبرات الكشفية ("أحوال" و"مقامات")، يتصف كلٌّ منها برؤيا وجودية معينة.

إن منطلق السيرورة برمتها هو عالم الأجسام، كما يُرى بعين الإنسان العادي الذي يرى الكثرة الأونطولوجية في كل مكان، ولا يرى شيئًا سواها. وهو لا يعرف العالم الجسماني إلا على هذا النحو: ففيه توجد الأشياء متشعبة إلى ما لا نهاية، بما فيها هو، حيث كلُّ موجود قائم بذاته ومختلف في الأساس عما سواه؛ إنه لا يستطيع أن يرى الوحدة التي تكتنف الكثرة إلا بالعقل المجرد فقط؛ وعالم الوجود ليس في نظره إلا صعيدًا واحدًا من الصور والألوان، لا شيء وراءه أو فيما يتعدَّاه.

غير أن ابن عربي، عبر تطبيق التأويل الأونطولوجي، يمضي إلى ما يتخطى الأفق الأونطولوجي والعقلي للبشر العاديين ("العوام")، فيما يتعدى الظاهر؛ إذ إنه على يقين بأن للحقيقة بُعدًا أونطولوجيًّا هو الباطن، هو حصرًا ما ينبغي للمؤوِّل الغوص فيه. لكن هذا يتطلب سلوك طريق روحي معين، وإلا فإن البُعد العميق المُلازم لـ"باطن" الحقيقة التي يتم السلوك إليها لا ينفتح أبدًا.

جدلية الفناء والبقاء

في نظر ابن عربي، لا يستطيع الإنسان العادي رؤية الحق في صوره المتنوعة بسبب التفرع الأصلي لوعيه إلى ذات وموضوع؛ إذ إن الذات المتميِّزة عن الموضوع – الأنيَّة – مجعولة بحيث إنها لا تتعرف في عالم الظواهر إلا إلى تكتلات من الأشياء المتكثِّرة بوصفها موضوعات عديدة للمعرفة. بذلك فإن على المرء، لكي يتخطى صعيد الكثرة الأونطولوجية، أن "يمحق" وعي أنيَّته. وإن السلوك الروحي الشاق، المحفوف بالأهوال، باتجاه هذا المقصد يقود المرء أخيرًا إلى اختبار ما يصطلح الصوفية على تسميته بـالفناء. والفناء، اصطلاحًا، يعني اضمحلال الوعي "الأنوي"، وينطوي على تلاشي عالم الوجود بأسره؛ إذ إنه حيثما لا توجد أية ذات عارفة لا يوجد، بالتالي، أي موضوع معروف. والفضاء المطلق الذي يتحقق فيما يتعدى تفرُّع الوعي البشري إلى ذات وموضوع يتراءى بوصفه حقيقة سابقة على الوجود في لاتعيُّنها الغيبي، يدعوها ابن عربي الأحدية.

و"الأحدية"، المشتقة من الاسم الإلهي الأحد، نفيٌ كلِّي غير مقيَّد للأشياء كلها دونما استثناء؛ وهي الغيب المطلق قبل أن يتجلَّى في شكل محدَّد، هي اللاتعيُّن قبل أن يتعين، واللامتصوَّر قبل أن يتصور في صورة بعينها. وحتى الله، باعتباره نسبيًّا، هو واحد من الصور المتعيِّنة للأحدية المطلقة[6].

بذلك لا يدرك الصوفي الذي بلغ حال الفناء إلا الأحدية، فيرى الأحدية في كلِّ شيء، ولا يرى شيئًا سواها. وفي حال الإدراك الإلهي هذه يتحول العالم بأسره إلى "الأحد" من دون أدنى أثر للتصور أو للتعيُّن. تلكم هي، بالمصطلح الصوفي، وحدة الشهود، التي كان أبو منصور الحلاج أبرز ممثِّليها. لكن الصوفي، كما يُحاجِج ابن عربي، ينبغي ألا يتوقف عند هذا الشوط من الخبرة الصوفية؛ إذ إن الذي لا يرى إلا الأحد، الذي يرى العالم برمته راجعًا إلى حالة أونطولوجية من اللاتمايُز التام، لا يزال ناقص الإدراك. لذا فعلى الصوفي الكامل أن يخطو خطوة أخرى ليصبح ذا العينين، أي الإنسان القادر بحق على رؤية عالم الوجود بوصفه الجامع بين الضدَّين: الوحدة والكثرة؛ وإن حال الحقيقة هذه تتحقق بالخبرة في حال البقاء التي تتخطى حال الفناء.

من الواضح بأن الكثرة، في هذا السياق، تشير إلى البُعد الظواهري للوجود، عالم الأشياء الظاهرة المتعيِّنة في تنوع لانهائي؛ إلا أن من الجلِّي أيضًا أن الكثرة، كما تتحقق في خبرة البقاء، ليست "الكثرة" بوصفها ضد "الوحدة". ولعل بوسعنا تقريب هذا "الجمع بين الضدَّين" coincidentia oppositorum إلى الأذهان – على الرغم من تعذُّر ذلك – بالقول إن "ذا العينين"، بالمصطلح الصوفي، هو القادر على رؤية الحق في الخلق وعلى رؤية الخلق بالحق؛ أو باستعمال استعارة أثيرة إلى ابن عربي، بوسعنا القول إن "ذا العينين" هو القادر على رؤية كلا المرآة والصور المنعكسة فيها، حيث الحقُّ والخلق يلعبان، على التناوب، دور المرآة ودور الصور المنعكسة. إن رؤية الكثرة الملوِّنة للأشياء الظاهرة ليست، كما هي لدى العامة، "حجابًا" أونطولوجيًّا يحول دون رؤية الصوفي للحق المحض في حالة لاتعيُّن قصوى. كذلك لا تحول رؤية الأحد دون ظهور الكثرة؛ فعلى العكس، يتمِّم كل واحد منهما الآخر في إظهار البنيان الكلِّي للحقيقة، من حيث إنهما وجهاها الأصليان: الوحدة تمثِّل مظهر الإجمال، بينما تمثِّل الكثرة مظهر التفصيل. ومادمنا لا ندرك على هذا النحو جدلية العلاقة بين الوحدة والكثرة في فعل معرفة إلهي-أونطولوجي، فإننا نبقى محرومين من رؤية كلِّية للحقيقة كما هي حقًّا.

التجلِّي

إن ما حاولنا أن نترسَّمه لتوِّنا في بسط العلاقة بين اللامتعيِّن والمتعيِّن، كواقع من وقائع الخبرة العرفانية للحقيقة، يعيِّن البنيان الكلِّي لوحدة الوجود: فهي مذهب خاص يقوم على رؤيا إلهية يختبرها الصوفي بوصفها التفاعل بين الوحدة والكثرة. والمصطلح الدال على هذا التفاعل هو التجلِّي، الذي يدعى في مذهب ابن عربي التعيُّن أيضًا.

وبالنسبة إلى تأرجُح الوعي بين حالَي الفناء والبقاء، يمضي الأحد المطلق متدرِّجًا، متحولاً إلى الكثرة الظاهرية، عبر فعل تجلِّيه وتعيُّنه؛ وبعبارة أخرى، ثمة في الوحدة نزوع أصلي (= ضرورة أونطولوجية) أو نوع من الطاقة المبدعة، التي يرمز إليها الأمر الإلهي كُنْ، هي التي يطلق عليها ابن عربي اسم الحب أو المحبة. فعالم الوجود بأسره يُعتبَر بهذه المثابة تجليًا لـنَفَس الرحمن.

جدير بالذكر هنا أن أول مظاهر الطاقة المبدعة للوحدة هي الوحدة نفسها؛ أي أن بنيان الوحدة، في حدِّ ذاته، ذو بعدين، ويحمل بهذه المثابة اسمين اثنين: الأحد والواحد. وهذان الاسمان المشتقان من الجذر نفسه ليسا مترادفين في لغة ابن عربي الاصطلاحية، حيث "الأحد" هو الوحدة المحضة – حقيقة الوجود في حالة لاتعيُّن مطلقة –، بينما "الواحد" هو حقيقة الوجود نفسها في طور تبدأ فيه بالتوجُّه إلى الظهور.

بذلك يكون الأحد هو الوحدة فيما يتعدى التعيُّنات كلها والصفات كلها؛ وبالتالي، فهو عصيٌّ على أي علم، إنسانيًّا كان أو إلهيًّا. وبلغة الإلهيات، يمكن وصف الأمر بالقول إنه حتى الله عندئذٍ لا "يعرف" نفسه، ذلك أن وعي الله لنفسه لا يظهر إلا عند عبور وصيد الواحدية. الأحد، بهذه المثابة، غيب؛ بل هو الغيب المطلق أو غيب الغيب.

أما الواحد، على العكس، فهو الوحدة مضافةً إليها الصفات الإلهية؛ وهذه الصفات، المنطوى عليها في الوحدة، تتحقق بوصفها أعيانًا ثابتة أونطولوجية. وهذه الأعيان الثابتة (أو "الأنماط البدئية" archetypes، بالمصطلح الفلسفي) تعيِّن الصور التي تتمخض بها الطاقة المبدعة للحقيقة المطلقة باستمرار عن أشياء عالم الظواهر عند الطور التالي من التجلِّي الإلهي.

تلكم هي الخطوط العريضة لسيرورة "تجلِّي" المطلق، كما انكشفت لابن عربي، بدءًا من غيب الغيوب نزولاً حتى عالم الشهادة. وأهم نقطة يجدر الوقوف عندها بهذا الصدد هي أن الوحدة، بمقتضى ميلها الذاتي الباطن، تتفتح عن الكثرة – أو، بدقة أكبر، تتحول إليها – عبر سيرورة متدرِّجة من التجلِّي. فعلى الوحدة، بالضرورة الحتمية، أن تتجلَّى في صور ظاهرية؛ بعبارة أخرى، فإن الله لا يستطيع إلا أن "يخلق". والمطلق-النسبي لا يستطيع أن يستغني عن عالم الظواهر، مثلما أن هذا الأخير لا يستطيع أن "يبقى" إلا بفعل تجلِّي المطلق في الظواهر النسبية.

تجديد الخلق مع الأنفاس

ما يهمنا من كل ما تقدَّم هو المستفاد منه لفهم نظرية الخلق عند ابن عربي، فيما يدعوه تجديد الخلق مع الأنفاس – وهو ذو صلة مباشرة مع جدلية الفناء والبقاء. إن الأعيان الثابتة، أو الممكنات المحضة التي يتجلَّى فيها الحق لنفسه، تظل في حكم العدم؛ إذ وحدها مظاهرها المتعيِّنة – جميع النسب الممكنة التي تنطوي عليها – تسري في الكون. وهذه التعيُّنات في الحقيقة لا "تخرج" من أعيانها، ولا يُستهلَك تنوعُها أو يُستنفَد، مثلما أن مويجات النهر لا تني تغيِّر من شكلها فيما هي، في الوقت نفسه، تنصاع للقانون المفروض عليها برسم مجرى النهر.

في تشبيه النهر هذا – وهو ناقص بالضرورة – يمثل ماء النهر فيض الوجود المتواصل، ويمثل مجرى النهر العين الثابتة، بينما تُقابل المويجات الصورة (المحسوسة أو اللطيفة) الناجمة عن هذه القطبية الأونطولوجية. وبالوسع كذلك مقارنة العين الثابتة بموشور عديم اللون، يحلِّل ضوء الوجود الأبيض إلى أشعة ألوان قوس قزح جميعًا، بحيث يتوقف لون الأشعة على طبيعة كلٍّ من الضوء والموشور.

إن تنوع انعكاسات عين ثابتة واحدة في العالم الذي يتعدى الصور (عالم الأرواح أو الجبروت) يظهر كـ"غنى" في مظاهره المحتوى بعضها في بعض، شأنها في ذلك شأن المظاهر المنطقية العديدة المنطوية في حقيقة واحدة أو الجمالات اللانهائية المحتواة في جمال واحد. وإن تنوعها على مرتبة الوجود هذه هو أبعد ما يكون عن التكرار لأنه يعبِّر تعبيرًا مباشرًا عن الواحدية الإلهية. في الوقت نفسه، فإن الأعيان المختلفة يشتمل بعضها على بعض؛ أما في عالم التعيُّن فإن انعكاسات العين الواحدة تتجلَّى على التوالي لأن تعيُّن الصور يتدخل هاهنا ليفرز المظاهر بعضها عن بعض. إن هذا العالم – وهو يشتمل على صور نفسانية مثلما يشتمل على صور جسمانية – هو الذي يدعى عالم المثال لأن الصور التي تتجلَّى فيه على التوالي، أو في آنٍ معًا، يماثل كلٌّ منها الأخرى من جراء كونها مماثلة لعينها المشتركة.

وإذا نُظِرَ إلى تنوع انعكاسات عين واحدة على التوالي، يقال إن "خلع" هذه العين على الوجود يتجدد كل آنة تجددًا لا تلبث فيه حالة الوجود هذه على حال واحدة: فكأنها تنعدم وتتجدد، تفنى في لحظة، لتُخلَق من جديد في اللحظة التي تليها، دون انقطاع زمني بين الحالتين؛ ترتد إلى الذات الإلهية في كلِّ لحظة من لحظات القبض، لتعود إلى الظهور والتجلِّي في حالة البسط.

أما الأنفاس فهي كيفيات لـنَفَس الرحمن، الذي يُفهَم منه، بحسب اصطلاح ابن عربي، المبدأ الإلهي الذي "ينفِّس" عن الممكنات النسبية أو ينشرها بدءًا من الأعيان الثابتة. وهذا "التنفيس" لا يظهر كذلك إلا من وجهة نظر نسبية تظهر فيها حالة بطون الممكنات باعتبارها كَرَبًا. وإن النَّفَس الرحماني متصل بصفة الرحمة الكلِّية التي يعيِّنها الاسم "الرحمن"، من حيث إن الوجود يفيض بالرحمة أعيانًا لا حصر لها[7].

هذا ويربط ابن عربي جدلية الفناء والبقاء بتجديد الخلق، بما يحلُّ إشكالية التعارض الظاهري بين القائلين بوحدة الشهود وبين القائلين بوحدة الوجود: الفريق الأول يختبر الحق لحظة انعدام التجلِّي في الذات فقط، فلا يُثبت إلا الحق، بينما يختبره الفريق الثاني لحظة انعدامه ولحظة إيجاده على التوالي، فيرى الوجود "واحدًا" (= وحدة الوجود)، ويُثبت الخلق أيضًا كما يُثبت الحق.

* * *

يبقى أن مذهب ابن عربي لا يزال مدار جدل كبير. فلقرون طوال، ظل العديد من الفقهاء – وعلى رأسهم ابن تيمية – يعتبرون الشيخ الأكبر زنديقًا و"ماحي الدين"[8]. لكنْ على الرغم من هذا النقد المستمر، تخللت عقائده التصوف اللاحق برمته؛ وحتى الصوفية الذين لم يوافقوه على مذهبه لم يتورعوا عن إدراج تعريفاته الدقيقة في تصانيفهم. وتأثيره هو الذي يضفي على الآداب الصوفية، ولاسيما الشعر المقروض في حلقات الدراويش، تجانُسه معنًى ومبنى.

مراجع مختارة

– ابن عربي (محيي الدين)، الفتوحات المكية، بتحقيق وتقديم عثمان يحيى وتصدير ومراجعة إبراهيم مدكور، طب 3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987.

– ابن عربي، محيي الدين، ترجمان الأشواق، دار صادر، بيروت، 1966.

– ابن عربي، محيي الدين (منسوب إلى)، تفسير القرآن، بتحقيق وتقديم مصطفى غالب، دار الأندلس، بيروت، طب 3: 1981.

– ابن عربي، محيي الدين، ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق؛ ويليه الأمر المحكم المربوط في ما يلزم أهل طريق الله من الشروط، بتحقيق وتعليق محمد بن عبد الرحمن الكردي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1968.

– ابن عربي، محيي الدين، رسائل ابن العربي، مطبعة جمعية دائرة المعارف الإسلامية، حيدر آباد الدكن، 1948.

– ابن عربي، محيي الدين، فصوص الحكم، في جزأين، بتحقيق وشرح أبي العلا عفيفي، دار الكتاب العربي، بيروت، طب 2: 1980.

– أبو زيد، نصر حامد، هكذا تكلم ابن عربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، طب 2: 2004.

– الجيلي، عبد الكريم، الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، مكتبة صبيح، القاهرة، 1960.

– الحكيم، سعاد، المعجم الصوفي: الحكمة في حدود الكلمة، دندرة للطباعة والنشر، بيروت، 1981.

– الشيبي، كامل مصطفى، صفحات مكثفة من تاريخ التصوف الإسلامي، دار المناهل، بيروت، 1997.

– الكاشاني، عبد الرزاق، اصطلاحات الصوفية، بتحقيق وتقديم وتعليق عبد الخالق محمود، دار المعارف، القاهرة، طب 2: 1984.

– نصر، سيد حسين، ثلاثة حكماء مسلمين، بترجمة صلاح الصاوي ومراجعة وتنقيح ماجد فخري، دار النهار، بيروت، 1971.

– يحيى، عثمان، مؤلفات ابن عربي: تاريخها وتصنيفها، بترجمة أحمد محمد الطيب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001.

– ‘Addas, Claude, Ibn ‘Arabī ou la Quête du soufre rouge, Gallimard, Paris, 1989.

– Chodkiewicz, Michel, Le Sceau des saints : prophétie et sainteté dans la doctrine d’Ibn ‘Arabī, Gallimard, Paris, 1986.

– Chodkiewicz, Michel, Un océan sans rivage : Ibn ‘Arabī, le Livre et la Loi, Seuil, Paris, 1992.

– Corbin, Henry, Face de Dieu, face de l’homme : herméneutique et soufisme, Flammarion, Paris, 1983.

– Corbin, Henry, L’imagination créatrice dans le soufisme d’Ibn ‘Arabī, 2e éd., Flammarion, Paris, 1976.

– Nasr, Seyyed Hossein, Living Sufism, Allen & Unwin, London, 1980.


[1] أو "عالم الخيال": مصطلح غنوصي المنشأ، وجد فيه الأستاذ كوربان المكافئ العربي الدقيق للمصطلح اللاتيني Mundus imaginalis.

[2] المكافئ العربي للمصطلح اللاتيني Doctor maximus الذي يُطلَق على آباء الكنيسة من اللاهوتيين الكبار.

[3] للاطلاع على تحليل يتناول الأبعاد الفلسفية لهذا اللقاء التاريخي وملابساته، راجع: نصر حامد أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي، ص 163-199.

[4] في اللغة: "أوَّل الشيء": رجَّعه؛ ويقال "أوَّل الله عليك": ردَّ عليك ضالتك وجمعها لك؛ و"أوَّل الكلام": دبَّره وقدَّره وفسَّره؛ و"أوَّل الرؤيا": عبَّرها.

[5] أكثر من مئة، بحسب المرحوم عثمان يحيى، محقِّق الفتوحات؛ راجع: عثمان يحيى، مؤلفات ابن عربي، ص 479-500.

[6] بخصوص الإله النسبي المقيد بـ"مألوهاته"، راجع: الأستاذ إيكهرت، "في الفقر بالروح"، سماوات: http://samawat.org/texts/spiritual_poverty_meister_eckhart. (المحرِّر)

[7] بهذا المعنى يؤوِّل ابن عربي الآيتين 17 و18 من سورة التكوير: "والليل إذا عَسْعَس والصبح إذا تنفَّس"، حيث ترمز "عسعسة" الليل إلى انعدام الموجودات في العلم الإلهي، فيما يرمز "تنفُّس" الصبح إلى انخلاع التعيُّنات عن الأعيان الثابتة وإيجادها في الكون.

[8] كذلك يتهمه مفكِّرون (أو بالأحرى "مكفِّرون"!) معاصرون، منهم فضل الرحمن، برمزية "شبه جنسية" parasexual، ويزعمون أن مذهبه يلغي التمييز بين الخير والشر. وقد مُنِعَ الفتوحات المكية أكثر من مرة في مصر، كان آخرها في العام 1979.