أرشيف التصنيف: نصوص له

الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية – ج. كريشنامورتي

الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية*

ج. كريشنامورتي

 

سؤال: لماذا اتفق في ميزان الطبيعة أن يكون هناك دومًا موت وشقاء؟

كريشنامورتي: لماذا اتفق للإنسان أن يقتل خمسين مليون حوت؟ خمسين مليونًا – أتفهم؟! ومع ذلك، لا نزال نُعمِلُ في الأنواع كلِّها تقتيلاً: النمور المخططة آيلة إلى الانقراض، وكذلك الفهود الصيادة والنمور والفيلة، من أجل جلودها، من أجل أنيابها – تعرفون ذلك كلَّه. أليس الإنسان حيوانًا أخطر بكثير من سائر الحيوانات؟ وتراك تريد أن تعرف لماذا يوجد في الطبيعة موت وشقاء! ترى نمرًا يفترس بقرة أو غزالة: ذلك هو أسلوبهم الطبيعي في الحياة؛ لكننا ما إنْ نتدخل فيه حتى يصير الأمر وحشية حقيقية. لقد رأيتم صغار الفقمة وهي تُضرَب على رؤوسها، وحين يتعالى الاحتجاج على ذلك تقول النقابات: “نحن مضطرون إلى الارتزاق على ذاك النحو” – أنتم تعرفون هذا كلَّه.

Continue reading

مقاومة الفساد – ج. كريشنامورتي

الوقوف في وجه الفساد*

ج. كريشنامورتي

 

السائل: لقد تكلَّمتَ على الوقوف في وجه المجتمع الفاسد والفاسق. المزيد من التوضيح هامٌّ للغاية بنظري.

كريشنامورتي: هل نحن، قبل كلِّ شيء، متأكدان مما تتضمَّنه كلمة فساد؟ هناك الفساد الفيزيائي المتعلق بتلويث الهواء، في المدن، في البلدات الصناعية. ترانا ندمِّر البحار، نقتل ملايين الحيتان وصغار الفقمة. هناك التلوث المادي في العالم، وهناك الانفجار السكاني. ثم هنالك الفساد السياسي، الفساد الديني، إلى آخر ما هنالك من فساد. فعلى أيِّ عمق يوجد هذا الفساد في المخ البشري، في النشاط البشري؟ عندما نتكلم على “الفساد” علينا أن نكون متأكدين تمامًا مما نعني بتلك الكلمة، ومن على أيِّ مستوى نتكلم عليه.

Continue reading

البيئة والنزاع – ج. كريشنامورتي

البيئة والنزاع*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

يبدو لي هامًّا فهمُ أن النزاع، من أيِّ نوع كان، لا يثمر تفكيرًا مبدعًا. فإلى أن نفهم النزاع وطبيعة النزاع، وما هو الشيء الذي يتنازع المرءُ معه، فإن مجرَّد التصارع مع مشكلة، أو مع خلفية أو بيئة بعينها، لا جدوى منه إطلاقًا. فكما أن جميع الحروب تسبِّب التدهور وتثمر حتمًا مزيدًا من الحروب، مزيدًا من البؤس، كذلك تقود مصارعة النزاع هي الأخرى إلى مزيد من البلبلة. بذا فإن النزاع ضمن النفس، مُسقَطًا على الخارج، يسبب البلبلة في العالم. لذا من الضروري – أليس كذلك؟ – فهمُ النزاع ورؤيةُ أن النزاع، من أيِّ نوع كان، ليس مثمرًا لتفكير مبدع، لكائنات إنسانية سليمة. ومع ذلك، فإن حياتنا برمَّتها مهدورة في الصراع، وترانا نظن أن الصراع جزء ضروري من الوجود. هناك نزاع ضمن النفس ومع البيئة – البيئة بوصفها المجتمع، الذي بدوره هو علاقتنا مع الناس ومع الأشياء ومع الأفكار. هذا الصراع يُعتبَر حتميًّا، وترانا نظن أن الصراع لا غنى عنه لسيرورة الوجود. والآن، هل الأمر كذلك فعلاً؟ وهل ثمة طريقة حياة تستغني عن الصراع وتوجد فيها إمكانية الفهم من دون النزاع المعتاد؟ لا أدري إنْ كنت لحظت أنك كلما أمعنت في مصارعة مشكلة نفسانية، تراك تزداد بلبلة وتَعْلَق فيها أكثر، وأن الفهم لا يأتي إلا حين يكفُّ الصراع، حين تتوقف سيرورة الفكر برمَّتها. وإذن، فعلينا أن نتحرَّى عما إذا كان النزاع لا غنى عنه، وعما إذا كان النزاع مثمرًا.

Continue reading

المشكلات والزمن – ج. كريشنامورتي

المشكلات والزمن*

ج. كريشنامورتي 

ج. كريشنامورتي

 

بحسب أحدث مكتشفات الأنثروپولوجيين، عاش الإنسان على هذه الأرض، على ما يبدو، طوال حوالى مليونين من السنين. وقد ترك الإنسان في الكهوف، طوال حوالى سبعة عشر ألف سنة، سجلات عن الكفاح، عن الصراع، عن أسى الوجود الذي لا ينتهي – الصراع بين الخير والشر، بين الوحشية والشيء الذي ما انفك يطلبه أبدًا: الحب. وعلى ما يبدو، لم يستطع الإنسان حلَّ مشكلاته – لا مشكلات الرياضيات، لا المشكلات العلمية أو الهندسية، بل المشكلات البشرية للعلاقة: كيف يحيا في هذا العالم حياة مُسالِمة، كيف يكون على صلة حميمة مع الطبيعة ويرى جمال طائر على غصن أجرد.

Continue reading

أساس العلاقة – ج. كريشنامورتي

أساس العلاقة*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

يمكن للعلاقة أن توجد فقط حين يكون هناك نزول كلِّي عن الذات، عن الـ”أنا”. فحين تنعدم الأنا، إذ ذاك تكون على علاقة؛ وفي ذاك لا يوجد فصل من أي نوع. أغلب الظن أن المرء لم يشعر بذاك قط: النفي التام – لا عقليًّا، بل فعليًّا –، الزوال التام للأنا. ولعل ذلك ما يسعى إليه أغلبنا، جنسيًّا أو عبر التماهي مع شيء ما أعظم. لكن ذلك – أكرِّر –، أي سيرورة التماهي تلك مع شيء أعظم، هو نتاج الفكر؛ والفكر قديم: إنه – مثل الأنا، الأنيَّة، الإنِّي – نتيجة الأمس؛ إنه دومًا قديم. ومن ثَم يبرز السؤال: كيف يمكن التخلِّي تخلِّيًا تامًّا عن هذه السيرورة العازلة، هذه السيرورة المتمركزة على الأنا؟ كيف يمكن لهذا أن يتم؟ أتفهم السؤال؟ كيف يمكن لي – أنا الذي ينبع كلُّ نشاط من نشاطات حياتي اليومية من الخوف والكرب واليأس والأسى والبلبلة والأمل –، كيف يمكن للأنا التي تفصل نفسها عن الآخر – عبر التماهي مع الإله، مع إشراطها، مع مجتمعها، مع نشاطها الاجتماعي والخُلُقي، مع الدولة، إلى ما هنالك –، كيف يمكن لذلك أن يموت، أن يتلاشى، بحيث يستطيع الكائن الإنساني أن يكون على علاقة؟ إذ إننا، إذا لم نكن على علاقة، سنعيش عندئذٍ متحاربين بعضنا مع بعض. قد لا يقع قتلٌ لبعضنا بعضًا لأن ذلك، إلا في البلدان النائية، بات أخطر من أن نجرؤ عليه! فكيف يمكن لنا أن نحيا بحيث لا يكون هناك فصل، بحيث يمكن لنا أن نتعاون حقًّا؟

Continue reading

كيف يتغير المجتمع؟ – ج. كريشنامورتي

المراقبة وتغيير المجتمع
من كريشنامورتي لنفسه
*

ج. كريشنامورتي

 

6 أيار [1983]

وأنت جالس على الشاطئ تراقب الناس عابرين – ثنائيين اثنين أو ثلاثة وامرأة بمفردها – يبدو لك أن الطبيعة بأسرها، كلَّ شيء حواليك، من البحر ذي الزرقة الداكنة إلى تلك الجبال الصخرية الشامخة، يراقب هو الآخر. ترانا نراقب، لا ننتظر، لا نتوقع حدوث أي شيء، بل نراقب بلا نهاية. وفي تلك المراقبة تعلُّم، ليس مراكمة المعرفة عبر تعلُّم يكاد أن يكون آليًّا، إنما المراقبة عن كثب، لا سطحيًّا أبدًا، بل عمقيًّا، في خفة ولطف – إذ ذاك ينعدم المراقِب. عندما يوجد مراقِب فالمراقبة تكون محض الماضي يراقب؛ وتلك ليست مراقبة، بل تذكُّر وحسب، وهو شيء ميت نوعًا ما. المراقبة نابضة بالحياة، وكل لحظة تَخْلِية. تلك السرطانات الصغيرة وتلك النوارس وجميع تلك الطيور الطائرة قريبًا تراقب. إنها تراقب طلبًا للفريسة، للسمك، تراقب طلبًا لشيء تأكله؛ إنها تراقب هي الأخرى. يمرُّ أحدهم على مقربة منك ويتساءل عما تراقب. أنت لا تراقب شيئًا، وفي تلك اللاشيئية يوجد كل شيء.

Continue reading

أنت العالم – ج. كريشنامورتي

أنـت العـالـم*

ج. كريشنامورتي

 

سائل: كيف يمكن لفكرة “أنت العالم وأنت مسؤول كليًّا عن النوع البشري بأسره” أن تُبرَّر على أساس عقلاني، موضوعي، عاقل؟

كريشنامورتي: لست واثقًا من إمكان عَقْلَنَتها على أساس عاقل، موضوعي. لكننا سنتفحَّصها أولاً قبل أن نقرِّر عدم إمكان ذلك!

بادئ ذي بدء، الأرض التي نعيش عليها هي أرضنا – صحيح؟ إنها ليست الأرض البريطانية، ولا الأرض الفرنسية، أو الألمانية، الروسية، الهندية، الصينية، بل هي أرضنا التي نحيا عليها جميعًا. هذا واقع. لكن الفكر جزَّأها عرقيًّا، جغرافيًّا، ثقافيًّا، اقتصاديًّا. وتلك التجزئة تسبِّب الخراب في العالم – بكل وضوح. ذاك أمر لا سبيل إلى إنكاره؛ ذاك التصريح تصريح عقلاني، موضوعي، عاقل. إنها أرضنا التي نحيا عليها جميعًا، لكننا جزَّأناها – لأسباب أمنية، لأسباب وهمية مختلفة، وطنية، سياسية – الأمر الذي يسبِّب اندلاع الحرب لا محالة.

Continue reading